هل أتى على الناس الزمان الذي أضحوا فيه يبحثون عن تفسير للمفسّر, وتعريف لما هو معرّف, وتبيين لما هو أوضح من ضوء الشمس في واسطة النهار؟!

عندما نحتاج للبحث عن مثل هذا نكون قد وصلنا فعلا لمرحلة الجدل العقيم, والمماراة المذمومة, والإنكار للحق الجلي؛ وهذه منذرات تنبئ عن ولادة زمن القعود عن العمل والتشاغل بالجدل, وهي من أسوأ مراحل الكساد الخلقي, والتردي الحضاري, والنكوص الفكري في تاريخ الأمم!

عندما كانت ثورة 11 فبراير في أوجها, وكانت الجماهير الغفيرة تملأ الطرقات بهتافات السخط على الحكم السابق, كانت تلك الحكومة تبرر عدم إعطائها أيّ أهمية لهذه الجموع بقولها:

هذا ليس الشعب اليمني!

واليوم يقال للحركة الحوثية: أنظروا إلى جماهير الشعب التي تعلن غضبها من تصرفاتكم؛ فيجيبون:

هذا ليس الشعب اليمني!

وهلم جرا..!

هذا هو شأن كل مستبد عبر التاريخ, فقد وجدنا بأنه كلما صعدت فئة متسلطة, ديكتاتورية, وتسلمت السلطة الفعلية؛ فأساءت التصرف, وخرجت عليها جموع الشعب.معترضة, قالت:

هذا ليس الشعب!

فليت شعري؛ من هو الشعب إذاً؟!

تستخف الفئة الحاكمة بالشعب عندما يتسم هذا الشعب بعدة سمات منها:

1_ ضعف الوعي التام بذاته أرضاً وتاريخاً وإنساناً, وقصوره عن فهم حاجاته, وضآلة معرفته بحقوقه المكفولة بقوانين السماء والأرض.

2_ عدم تفتّح مداركه واتساع وتنوع ثقافته, وتدني مستوى تفكيره النقدي لدرجة عدم تمييزه بين قوى الحق, وقوى الباطل.

3_تشويش صارخ في صدق توجهاته, وضمور الشعور بوطنيته, وعدم تغليبه المصلحة العليا على المصالح الضيقة للحزب أو القبيلة أو المذهب, أو النفس.

4_ انخفاض سقف طموحه, وسطحية وتفاهة.أحلامه, والتي لو كانت جامحة مترقية ؛ لأوقدته نارا تحرق كل الحواجز التي تحول دون وصوله لغاياته المشروعة في العيش الكريم.

5_ تلاشي شعوره باحترامه لذاته, وانسياقه وراء كل زاعق وناعق, وانخفاض قدرته على اتخاذ قرار الغضب والنهوض في الوقت الصحيح.

6_ عدم تمتع أفراده باستقلالية الرأي,وعدم حصانتهم ضد دعوات الإغواء والاستهواء من هذه الفئة أو تلك.

7_ غياب الإخلاص والصدق مع الله جل وعلا في كل خطوة يخطونها نحو إحراز تقدم وازدهار في حياتهم وحياة أوطانهم.

8_ غياب الإيمان العميق بأن الآخر المخالف من الشعب هو جزء من هذا الشعب, ويستحق كل المميزات التي يناضل هو للحصول عليها.