لستُ هُنا في موضعِ المدحِ لأخلاقكْ – فلا يبحثُ عن ذلك إلا فاقدها – وأنتَ بها عُرفتَ وعرفت بكَ أيضاً .ولستُ في معرضِ الحديثِ عن كلِ شيء جميلِ في شخصيتكْ – فالحصرُ ينقصُ إن حصرتَ وأنت ابعد من هذا الوصفْ
كما أنني لن أتحدث عن سجنك كمصيبةِ حلّتْ – كما يفعل البعضُ -- لأنني منذ سنينَ أقولُ ان إيَ معارضةِ لاتنام في السجنِ ولو أياماً – مجردُ لعبةِ بيدِ الحكامْ . وجاريةِ تنامُ في حضنِ ألقتلهْ.
هذه النقطةُ تستحقُ أن يدورَ حولها الحديثُ عنكَ وفيكَ – فقد اظهرَ سجانُك مقدارَ غباءِ وقلةَ حيلةِ ليسَ لها حدٌ ولاعدٌ – وهيا تشيرُ بوضوحٍ إلى قربِ السقوطِ المدويْ – وبشائرُ الهزيمةِ الآتيةْ . كمن حفرَ قبرهُ بيديهِ و ذمَ ورثى نفسهُ بشعرهِ . وأكملَ نصبَ مشنقتهِ بأموالهْ .
هذا الغولُ القادمُ منْ كهوفِ الحقدِ – لم يتحملْ صليلَ أقدامِكَ الخبيرةُ وهيا تعزفُ على الأرضِ تراتيلَ الثورةِ الباقيةِ فيْ أرواحِنا- الممتدةُ في زواياناْ . والساكنةُ بكلِ بهاءٍ مسامات حياتنا التواقةُ للنورِ والحبِ للأرضِ وللتاريخِ الموغلِ في المجدْ
ولم يتحمل إِخضرارَ صوتكَ الذي ملاء بخريرِ الحريةِ أذانهُ- الممتلئةٌ عفناً وعبوديةْ – حينَ يسمعكَ تصدحُ ببيانٍ او تدعو لمسيرةٍ او ترحبُ بقادمٍ إلى الثورةْ . او تستحثُ جماهيرَ المسيرةِ والساحاتِ شعاراتَ- الانعتاقِ- والانطلاقِ إلى السماءْ .
اليومَ فقطْ يمكننا أن نفرحَ ان الثورةَ فيْ مسارِها الصحيحْ – وانَ قيودَ الغلِ مع َمراكزِ الظلمِ والكهنوتِ المختلفةْ أوشكتْ على الانتحارْ .
يحقُ لكَ اليومَ أنْ تبتسمَ بكلِ ثقةٍ انكَ في المكانَ الصحيحِ لثائرٍ شريفْ – وان القاتلَ الأعمىْ في مكانهِ الصحيحْ – ذلكَ الأفاقُ الذي خُدِعنا بهِ منذ تلبسَ بثورتِنا – وتسربَ كالسمِ في أوردةِ أحلامِنا .
يحقُ لكَ ولرفاقكَ جميعاً سواءً منْ يحلقُ ألانَ في جنانِ الملكوتِ شهيداً – اومنْ يعطرُ بعرقهِ الطاهرِ غُرفَ السجنِ – فيحيلها معبدً باذخً بالوردِ .يحقُ لكمُ اليومَ ولكلِ من سارِ على دربِ الحريةِ أن يبتسمَ لأجلِ وطنٍ هوُ الحلمُ في قلوبِ عاشقيه .
أخطئنا نعم - حينَ انطلقنا إلىْ رحابِ الساحاتِ دونَ بصيرةِ بهذا الوباءِ القادمِ منْ أزمنةِ القحطِ وعصورِ السبايا والسفهِ العنصريِ – ومِنْ بقايا متعفنةٍ لأحلامِ السيطرةِ على الأرضِ والعرضِ وعلى الهواءِ والهوىْ .
مٌتدثراً – بجماجمِ شُهدائنا – مُنتقماً من براءةِ تصورنا حولَ إشراكِ الكلِ في مسيرة ِالنهوضِ بهذا الوطنِ الممددِ على صليبِ الكهنوتيةِ والديكتاتوريةِ والتخلفِ المزمنْ .
لقد أرادَ اللهُ أن يكشِفَ سوءَ الطويةِ وخُبثِ المآربِ التي أخفاها عنا – هذا الكائنِ المشوهْ – وهدانا اللهُ إلى معرفتهِ ولازالَ في أطوارِ نموٍ مبكرةٍ- يُمكنِ بالصبرِ والجدِّ والتعاضدِ إفشالُها- وإعاقةُ تكونِها – وعكسُ اتجاهِ صٌعودِها إلىْ أعماقِ الجحيم ْ.
عزيزي محمد – اعرفُ أن الضوءَ والشمسَ معارجُ الروحِ – لكنْ- في وطنٍ يملكه ُ(النمرودُ ) و يسوسهُ(ابوجهلٍ )– فانَّ للقيدِ سموً أجملْ وللجدرانِ رحابةُ سماءِ سابعةِ- ولحديثِ اخوانِ الزنازينِ مُتعةٌ تفوقُ الوصفْ . كما أنَ للبقاءَ في صمتِ الخنوعٍ ذلٌ سرمديٌ لايزولْ – وعارٌ ابديٌ لايمكنُ للأيامِ أن تمحوهْ .
عزيزي محمد – كلً شئِ بخيرٍ – الزوجةُ والصغارُ والأبُ والامُ والإخوانُ والوطنُ أيضاً – فكنْ أنتَ لاجلهمْ بخيرْ – وتحدى الساعات الآتيةِ مهما كانتْ وعلى اي وجهِ تكونْ - ليتحدى بكَ كلُ منْ يجدُ فيكَ ورفاقكَ أمالً مزهرةً – ومصيرً مشرقً لهذا الوطنِ الرائعْ بكلِ جراحهْ .
تحياتي لكَ ولرفاقكَ منْ قيدِ الخارجِ وقضبانِ الهامشِ – إلىْ مملكةِ الحريةٍ والصمودٍ والرجولةٍ والتحديٍ .
ولا نامت عيونُ الغولِ ولا استراحتْ في صدرهِ نبضاتًهُ .
أبو غياث المليكي
رسالة إلى أسير 1343