كثيراً ما نسمع بشعارات التعايش والشراكة لاسيما في أروقة الساسة وأصحاب القرار ولكن هذه الادعاءات سرعان ما تتماهى بمجرد السيطرة الاستحواذ.. ومن الصعوبة بمكان أن يصاحب الطموح في الوصول إلى الحكم وإحكام القبضة عملية الإقصاء والتهميش فكيف إذا كان السعي للوصول يقوم من أصله على التقويض نهائياً على كل من يخالفك.
إن رفض التعايش مع من يخالفك الرأي والفكرة والتصور سلوك لم تشهده اليمن من قبل مع وجود الخلاف المذهبي والتنوع الفكري منذ زمن بعيد إلا أنها رسمت أجمل صورة للتعايش والتاريخ خير شاهد..
فمن يضيق ذرعا بآراء المخالفين ويسعى لبث سموم الطائفية والمذهبية أو السلالية والمناطقية هو دخيل على هذا البلد الكريم المتسامح.
ورغم أن محاربة الكلمة وتكميم الأفواه تجارة كاسدة في أسواق الظلم والطغيان، إلا أنها لا تزال
من أهم أدواته التي يستخدمها في كل وقت وحين ضد المناوئين له والمعارضين له حتى أني قرأت في كتب السير أن الوليد بن المغيرة عندما دفعته قريش ليقول في الإسلام قولاً يوافق هواهم، ولما مثل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت المناظرة قال الوليد ما عنده من كلام فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هل انتهيت، وهنا تأكيد على حرية التعبير والاستماع للمخالف، فلما انتهى وجاء دور النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث قرأ على الوليد بن المغيرة ومن معه، بداية سورة فصلت ومازال يقرأها عليه حتى وصل الى قوله تعالى" فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ" فوضع الوليد يده على فم النبي وناشده الله والرحم ألا يكمل، خوفاً من سماع الحق ومن أن يتأثر به المغيبون عن الحقيقة في دهاليز الطغيان والظلام.
ولا شك أن المتابع لطبيعة الصراع في اليمن يدرك زيف شعار التعايش والسقوط المدوي الذي أوقع دعاته في مواجهة الرفض الشعبي والغضب والسخط المجتمعي، ومن يريد أن يتعمق في معرفة هذا الزيف فليتابع انعكاساته على وسائل الإعلام والإعلاميين, حيث صارت في الصفوف الأولى للمعركة مع قوى الظلام التي جعلت وتجعل استهداف الإعلاميين ووسائل الإعلام وتكميم أفواههم هي الطريقة المثلى للوصول إلى ما بعدها من المآرب والإطماع.
لذلك لا يكاد يخلو يوم دون أن نسمع أو نقرأ عن القمع التعسفي والانتهاكات التي تطال الإعلاميين ووسائلهم ومؤسساتهم.
ومن المؤسسات التي لازالت تستغيث ولا مغيث لها مؤسسة "الشموع" للصحافة والإعلام..
فمنذ بداية شهر يناير ومقر مؤسسة "الشموع" وصحيفة "أخبار اليوم" بصنعاء يقبع تحت الحصار والسطو المسلح من قبل أعداء الكلمة والتعبير عن الرأي .
ولا يملك الإعلاميون حيال هذه الانتهاكات والقمع التعسفي لحرية الكلمة سوى الوقفات الاحتجاجية والتضامن مع كافة الإعلاميين والوسائل الإعلامية أياً كانت توجهاتهم وكان آخر هذه الوقفات يوم أمس الخميس 5/مارس /2015م حيث نفذ العشرات من الإعلاميين وقفة احتجاجية في مقر نقابة الصحفيين طالب المحتجون السلطات الرسمية بفك الحصار عن مؤسسة الشموع الإعلامية وصحيفة أخبار اليوم وضمان حرية الكلمة
واليوم نفاجأ بخبر مؤسف ومزعج وهو أن نقابة الصحفيين تلقت بلاغا من مؤسسة "الشموع "للصحافة والإعلام تفيد فيه قيام مسلحي جماعة الحوثي بنهب جميع محتويات المركز الإخباري التابع لمؤسسة الشموع وصحيفة "أخبار اليوم" من أجهزة ومعدات وطاولات وطابعات وكراسي وكافة محتويات المركز, وتحميلها إلى شاحنات متوقفة أمام مقر المؤسسة المحتل منذ شهر على التوالي. وكذا اختطفت اثنين من صحفيي صحيفة "أخبار اليوم" وهم الصحفي فؤاد الزبيري ومسؤول المونتاج عبد الواحد النجار أثناء محاولتهما تصوير عمليات النهب التي تتعرض لها مطابع المؤسسة وصحيفة أخبار اليوم بصنعاء.. ما يعني أن الإعلام اليمني في ظل الأوضاع السياسية الحالية يدخل منعطفا خطيرا ربما لم يشهده من قبل.
بسام الشجاع
تكميم الأفواه يكشف زيف التعايش. 1232