قال لي أحدهم إنه يلاحظ إشارتي إلى العنصرية كثيرا فيما أكتب.. قلت ربما يكون السبب رغبتي في التأكيد أن الناس سواسية، في مجتمع لا يزال التمييز المتخلف فيه سيد الموقف..
ذات مرة كنت أشاهد برنامجاً يتحدث فيه الأخ/ حسن زيد، وأعجبني كلامه في البداية، وكتبت له على الخاص معجبًا، ومرت برهة فإذا به يتحدث ولا يشير لحسن نصر الله وعبد الملك الحوثي وغيرهم من الهاشميين إلا ويسبق ذلك بلقب السيد..!
فعدت إليه في الحال منتقدا على كثرة ما يردد كلمة السيد..! فأجاب: العالم كله يقول السيد فلان، والمسيو، والمستر فلان..!
قلت: العالم يقول "السيد" لكل الناس دون تمييز على أساس النسب..!
حكاية السيد هذه أضفت عليها الثورة الإيرانية بعدا سياسيا ودينيا وقد وجد هواة التعنصر والتعالي ضالتهم في هذه الثورة "الرجعية" ونتاجها المريض المعتل.. عندما كنت في حرف سفيان في اللجنة الوطنية لإحلال السلام، في 2009، لاحظت أن الصبية الصغار المقاتلين يقولون نحن مع السيد..! أما زواملهم وأناشيدهم فكثيرا ما يشيرون إليه باعتباره ابن النبي، أو ابن طه..! لو قدّر لعبد الملك أن يقرأ " قصة تجاربي مع الحقيقة" لغاندي أو "الطريق الطويل إلى الحرية" لمانديلا، أو مذكرات لي كوان يو، أو سيرة لينكولن، فقد يطل على الناس يوماً قائلاً: ما أنا الا ابن امرأة من صعدة كانت تأكل العصيد..! قد يضيف: من الصعب أن تأتي أفكار ومشاريع بناءة تصدر من أدغال التاريخ وكهوف الجغرافيا..
للمرحوم القاضي/ محمد بن يحيى المطهر الهاشمي- والد الصديق الدكتور محمد بن محمد يحيى المطهر وزير التعليم المستقيل، كتاب في الأحوال الشخصية دحض فيه دعاوى عنصرية كثيرة من أهمها موضوع الكفاءة في الزواج..والقاضي المطهر سليل أئمة وملوك.. وهو زميل سابق في مجلس النواب.. وقد تُحسَن الإشارة هنا إلى أن كثيرا من الهاشميين ضد دعاوى العنصرية بوعي وإدراك وممارسة.. وفي ظل الجنون والحرب والظلم الذي يمارسه الحوثيون يُخشى التعميم الغاشم على الهاشميين أو ما يمكن تسميته "العنصرية المضادة" ..
المتأمل في ملامح عبد الملك وحسين وإخوانهم لا يجدها تختلف عن بقية أبناء اليمن ولذلك فهم ليسوا من عنصر آخر أو عرق آخر.. لكن العنصرية تكمن في المعتقد الساذج الضال المتخلف الذي هم عليه لا غير.. وللأسف فقد أوردنا معتقدهم الخطير الضال هذا، المهالك على حين غفلة أو غرة في هذا العصر، ونأمل أن يكون ذلك للمرة الأخيرة ..
قبل المشكلة الحوثية ظن كثيرون أننا قد تجاوزنا معضلة العنصرية المستندة الى تفكير أو إرث أو معتقد ديني... سبب رئيسي آخر لعودة هذه الترهات والمخاطر هو أن تحالف الحكم الذي ساد منذ حرب 1994 افتقد الى الرؤية السديدة والقيادة الرشيدة والنزاهة والمشروع الوطني الجامع..
هناك أشكال أخرى للتمييز والعنصرية في مجتمعاتنا وهي قرينة التخلف الإجتماعي والإقتصادي والسياسي وغالبا ما ترتبط بأمرين سياسي واقتصادي، وأقل من ذلك ديني..
هناك مثلا قبائل كانوا أصحاب سلطة لزمن طويل نسبيا، في مناطق قبلية معينة، وأطلق عليهم لقب "السلاطين" وهم قبائل كبيرة بحالها، ولا يزوجون غيرهم من القبائل المجاورة، أما بقية القبائل فهم عادة لا يزوجون أصحاب المهن الحرفية مثل خراز، وطبال( دوشان) وأكثر قبائل المشرق لا يزوجون الحداد والنجار أيضاً..! المفارقة أن أبناء السلاطين والقبائل و"السادة " يعملون الآن في دول الخليج بسبب الطفرة النفطية، في مهن تحت هذه المسميات، صباغ، نجار، حداد، وغير ذلك، لكن لا تزال قيم وممارسات العنصرية المورثة سائدة ..
بالنسبة للتمييز الذي يعاني منه أصحاب المهن المذكورة أعلاه فهو يرجع إلى سيادة الاقتصاد الزراعي لفترة تتجاوز ثلاثة آلاف عام.. كانت ملكية الأرض هي مصدر القوة والمكانة والشرف، فترسخت الطبقية وفقا للملكية.. والذي لا يملك الأرض عليه أن يستسلم لمرتبة اجتماعية أدنى، ومثلما يتوارث الأبناء والأحفاد ملكية الأرض أو المهنة يتوارثون المكانة الاجتماعية..
لسبب أو لآخر، قد يغادر أشخاص مناطقهم وقبائلهم التي يملكون فيها أرضا إلى مناطق بعيدة، لا يستطيعون ملكية أرض فيها، وينتج عن ذلك امتهانهم لحرف ومهن من قبيل ما ذكر أعلاه، ومع الزمن يحلون في مستوى طبقي واجتماعي أدنى..
العنصرية قرينة التخلف والجهل.. وستكون من التاريخ.. لكن لا بد أن يكون العلم والمعرفة والتنمية الإنسانية هي السبيل والغاية.. غير أن السلاح الناري الكثير الذي ملكه اثنان من الجاهلين في اليمن يعيق ذلك..! تعرفونهما طبعا..
وأختتم بهذه العبارة التي طالما استوقفتني كثيرا وقد وردت في الصفحة الأولى من مذكرات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في إهدائه مذكراته "حياتي" My Life :..
وإلى ذكرى جدي الذي طالما علمني أن أنظر باحترام إلى أولئك الناس الذي ينظر إليهم آخرون بدونية، لأننا في الحقيقة لا نختلف كثيرا.."
علي أحمد العِمراني
من أدغال الجغرافيا وكهوف التاريخ..! 1396