كان مثيراً أن ينتقد وزير الدفاع الإيراني العميد/ حسين دهقان، الجانب الروسي، بالقول إن طريقة تعاطيه مع استخدام الطائرات الروسية لقاعدة همدان كان «استعراضياً».
ونفى أن تكون إيران قد منحت الروس تلك القاعدة أو أن يكون هناك اتفاق على بقائهم في إيران، لكن تمت المساعدة بالسماح لطائراتهم بالهبوط والإقلاع والتزود بالوقود.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد أعلنت موسكو بعد ذلك عن توقف إقلاع طائراتها من «همدان»، الأمر الذي شكك فيه الأميركان، وشككت فيه عموم التصريحات المرتبكة من الجانب الإيراني.
بعد ذلك عاد رئيس مجلس الشورى الإيراني الحسوب على التيار المحافظ إلى القول إن نشر الطائرات الروسية في قاعدة همدان كان من أجل التزود بالوقود فقط، مشيراً إلى أن عمل القاذفات الروسية في هذه القاعدة لم يتوقف.
حكومة روحاني كانت غائبة عن الجدل، كما هي العادة في القضايا الاستراتيجية، ولا يُستبعد أن يكون روحاني نفسه قد سمع بخبر إقلاع الطائرات الروسية من «همدان» كما سمعنا عنه نحن من خلال وسائل الإعلام.
بدوره، لم يتردد مركز دراسات الدبلوماسية الإيرانية، في القول إن «إيران ما قبل استخدام الروس لقاعدة همدان وما بعده» تشبه «إيران ما قبل الثورة وما بعدها». ولذلك بالطبع صلة بأننا إزاء حدث غير مسبوق يتناقض مع مبادئ تلك الثورة ودستورها الذي ينص على عدم السماح للقوى الأجنبية بإنشاء قواعد لها على الأرض الإيرانية.
ما ينبغي قوله هنا هو أن استدعاء الروس لسوريا لم يكن سوى خيار الاضطرار، ذلك أن إيران تعتبر سوريا جزءاً من مجالها الاستراتيجي الذي لا تسمح لأحد بأن يشاركها فيه، وهي جزء من الأحلام الكبيرة لقادتها، حتى لو قيل إن للروس قاعدة سابقة في سوريا، لأن القاعدة الهامشية شيء، والدور والنفوذ الأكبر شيء آخر.
لم تفعل إيران ذلك إلا بعد أن وصلت محطة اليأس من قدرتها على الإبقاء على النظام، وكان لافتاً أن مَن طلب ذلك من الروس هو خامنئي شخصياً عبر مبعوثه سليماني، الذي لا يبدو من العسير القول إنه المدير التنفيذي لمشروع التمدد الإيراني.
اليوم، تنهض قصة القاعدة الروسية في إيران، وأياً يكن لعبة التخريج والتخفيف من وقعها بمثابة دليل آخر على حجم الخسائر التي دفعتها إيران من أجل الحفاظ على بشار الأسد، أو لنقل على النظام التابع لها في دمشق، بدءاً من عشرات المليارات التي دُفعت في الحرب، ومروراً بآلاف القتلى وأضعافهم من الجرحى من عناصر التابعية الإيرانية، فضلا عن قبول اتفاق النووي بصيغة كانت معروضة عليها منذ سنوات، واليوم بشطب مصطلح السيادة من قاموس الثورة، عبر منح الروس قاعدة في إيران، ولا تنسَ ذلك التناقض المفضوح في التعاون في سوريا مع دولة لها علاقات حميمة مع الكيان الصهيوني، في الوقت الذي كانت فيه طهران تروج المعركة على أنها ضد محور الممانعة. أما الأهم من ذلك كله، فهو كسب عداء الغالبية الساحقة من المسلمين، وتدمير التعايش في المنطقة، ومن دون أفق لكسب المعركة مهما طالت واستطالت.
قلنا منذ أربع سنوات، وها نحن نكرر الآن، بأنه سيثبت لقادة إيران بأن قرارهم التدخل في سوريا هو أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة، وإذا كانت معالم إثبات ذلك لم تكن متوفرة في ذلك الحين، فها هي تتوفر أمام الجميع الآن، من دون أن يدفع ذلك خامنئي إلى إعادة حساباته، وحاله تماماً مثل حال المقامر الذي يخسر، لكنه يصر على التشبث بالطاولة.;
* العرب القطرية
ياسر الزعاترة
إيران إذ تنتقد الاستعراض الروسي!! 1077