لماذا عمليات الإرهاب مقتصرة على محافظات الجنوب وتحديداً العاصمة المؤقتة للبلاد "عدن"؟ وكيف اختفت عناصر القاعدة من العاصمة صنعاء، مأرب والجوف والبيضاء وكأنها فص ملح ذاب في بركة ماء، بمجرد نجاح الانقلاب وسيطرة الحوثيين وأتباع المخلوع على العاصمة صنعاء ومحيطها، لتبرز في عدن وحضرموت وأبين وشبوة؟
فحين كان الرئيس هادي وحكومته في صنعاء تحولت المدينة إلى حمام دم، وإلى أشلاء آدمية متناثرة، وإلى هجمات انتحارية يومية تتصدر أنباء القنوات والوكالات.
نعم، قبل أن أجيب على السؤالين: لماذا عدن؟ ولماذا المحافظات الجنوبية؟ دعوني أولاً أسألكم: كيف ولماذا باتت صنعاء نظيفة من خلايا الاغتيالات ومن العمليات الانتحارية أو التخريبية أو الاختطافات؟ ولماذا توقفت تلك الجرائم الإرهابية الحاصدة لمئات الشباب والجنود في ميدان السبعين وبوابة كلية الشرطة وفي التحرير وفي بوابة وزارة الدفاع وفي جوامع الصلاة؟.
وهل صنعاء ومحافظات الشمال الواقعة تحت سيطرة المليشيات صارت مؤمنة ومحصنة من أي اختراق محتمل من الجماعات الإرهابية؟
إذا ما عرفنا الإجابة عن السؤالين المتعلقين بظهور واختفاء جماعات الإرهاب وهجماتها في صنعاء؛ فمن المؤكد أننا سنصل لإجابة موضوعية ومقنعة عما يجري في عدن.
أما ولماذا العمليات الإرهابية مقتصرة على محافظات جنوبية؟ فالواقع أن هذه المحافظات وخاصة عدن وحضرموت تعني قيمة سياسية واقتصادية ومعنوية وعسكرية إذا ما عرفت الطريق إلى الاستقرار.
فيمكن القول إن ضبط إيقاع الأوضاع في هذه المحافظات سيكون من نتائجه سلطة شرعية تسيطر على مساحة كبيرة، وفوق ذلك هذه الجغرافية تعد مصدرا رئيساً للنفط والغاز والاثنان يرفدان خزينة الدولة بنحو ٨٠ بالمائة من الدخل، وعلاوة على النفط والغاز سيتم نقل البنك المركزي وستفتح الموانئ الجوية والبحرية، وستعود سائر القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والمصرفية، وهذه مجتمعة كفيلة بقلب المعادلة المختلة ولمصلحة السلطة الشرعية.
والمهم الذي لا يحبذ الخوض فيه صدقا وجهارة هو ان هذه المحافظات الجنوبية يخشى أن يؤدي التطبيع للحياة فيها إلى انسلاخها من الكيان الهش والوهن القائم حالياً وفرض سياسة الأمر الواقع خاصة في ظل غياب القدرة على حسم المعركة سياسياً أو عسكرياً، حتى تستعيد السلطة الشرعية عاصمة البلاد صنعاء وأغلب محافظات الشمال.
وهذا باعتقادي عامل فاعل ساهم في التقاء الفرقاء المتصارعين وأتباعهم وأعوانهم، في بقاء الحالة في عدن وأخواتها في نزيف مستمر واضطراب دائب.
وحين نقول إن القوى المتصارعة تتشارك بقاء الجنوب مضطرباً فليس بالضرورة أن يتشاركا الجرم الإرهابي أو التخريبي ذاته وإنما هذه الشراكة تختلف من طرف لآخر، فهناك من يمول وينفذ ويتبنى وهم هنا نظام المخلوع وأتباعه وخلاياه مضاف لهم الحوثيون.
يقابل ذلك أيضا الموالين للسلطة الشرعية من قيادات عسكرية ومدنية وإعلاميين وتجار ورجال دين ومشايخ قبليين وسواهم ممن لديهم مخاوفهم وحساباتهم ما يجعلهم يناوئون لفكرة التطبيع للحياة ويشاركون المخلوع والحوثي ولو ضمنيا ونفسيا.
تأملوا في وسائل إعلام الطرفين المحسوبين على السلطة الشرعية أو المنقلبين عليها، في المحصلة ستجدونهم على نهج واحد ما بقي هاجسهم مشتركا ويتمثل بالخوف والفزع من استتباب عدن وجوارها.
ولا أنكر هنا أن ما ساعد هذه المخاوف هو غياب السلطة الشرعية، أو قولوا ضعفها وقلة حيلتها، ما جعل قاطرة الجنوب والبلاد عموماً تبدو أشبه بسفينة فقد ربانها بوصلة القيادة، تاركا لركابها الخوف والهلع وفي محيط لج مضطرب لا يشيء بثمة وجهة ومسار أو إمكانية القفز والنجاة.
وعندما يفقد مجتمعاً ما بوصلة مساره بكل تأكيد يفقد وجهته، وهذا بالضبط ما نشاهده الآن من حالة تيه وضياع وتعثر لا نعلم بمنتهاه.
وما زاد الحالة بؤساً وضياعاً هو أن المحافظات المحررة وبعيد عام ونيف على تحررها لم تعثر على سلطة شرعية قوية ونافذة في الواقع الحياتي والخدمي الذي مازالت فيه مرتبات موظفي الدولة تتصرف بها المليشيات، فيما نفقات المؤسسات والمحافظات المحررة متوقفة ايضا من قبل المليشيات بصنعاء.
كما وقيادة السلطات المحلية وجدت ذاتها تعيش عزلتين؛ عزلة مع شارع جنوبي طافح جامح خلف رغبات شخصية وتارة جمعية أسماها التحرير والاستقلال ودونما اعتبار أو اكتراث بالنتائج المتوخاة على اعتبار أن البلاد برمتها باتت محكومة بضوابط ومواثيق وقرارات دولية يصعب تجاوزها؛ وعزلة ثانية مع سلطة شرعية في المنفى وليس لديها القدرة على دعم السلطات المحلية وبما يمكن هذه السلطات القيام بمسؤولياتها وواجباتها نحو السكان.
محمد علي محسن
الإرهاب..من صنعاء إلى عدن!! 1151