توفي النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- قبل أن تقام دولة الخلافة المزعومة، كما ومن بعده الخلفاء الراشدون الذين لم يقيموا دولة بمفهومها المتعارف عليه، وإنما يمكن القول إن عهد الخلفاء الأربعة حدثت فيه تطورات وفتوحات تجاوزت النطاق الضيق جغرافيا إلى بلاد فارس والروم وغيرها من البقاع التي وصلت إليها دعوة الإسلام.
منطقياً وعقلياً وواقعياً اعتبر مثل هذا الاصطفاء السلالي أكبر إساءة لرسول الأمة، الذي لم يكن حاكماً مطلقاً حتى يدعي أسباطه بحقهم في حكم الأمة الإسلامية، فكل ما نسب له من أحاديث الولاية لعلي عند الشيعة أو قرشية عند السنة تم حياكتها بعد موت الرسول وتحديداً بعيد الشقاق الحاصل بين الأنصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعده، فلو أنها ثابتة قبلا لما تنازع القوم وغالبيتهم صحابة رسول وممن بايعوه في ساعات العسر الأولى وحاربت مع الرسول أعمامه أبا جهل وأبا لهب وكذا عشيرته التي كفرت بدعوته واعتبرتها منتقصة من قدرها بين القبائل.
سادة قريش الأوائل احتقروا أتباع النبي محمد، إذ عابوا على دعوته بكونها ساوت بين أراذل القوم وكبرائهم، بين العبد الحبشي الأسود بلال وبين مسترقه أمية بن خلف الجمحي القرشي، فيما سادة القبيلة الأواخر أهانوا أمة محمد بادعائهم أن دين الإسلام يمنحهم مكانة ليست لأحد غيرهم، وخمس زكاة ليس لأحدهم حقاً فيها، وسلطانا لا ينازعهم عليه أحداً من سائر أمة المسلمين.
فلو أن ولداً النبي محمد "إبراهيم" و "القاسم" عاشا وخلفاً أولاداً وأحفاداً لما تم مبايعتهم على الحكم، فكيف هؤلاء الذين هم مجرد أسباط وليسوا أحفاد ومع ذلك أزهقوا وشردوا الملايين من البشر في حروب عبثية لاستعادة حق مغتصب رغم انه لبس كذلك؟
فمع حقيقة أن الرسول لم يكن سلطاناً وإنما نبياً ورسولاً مازال هؤلاء الباحثين عن حكم وخمس الزكاة في محاولاتهم العنصرية السلالية التي جاء الدين الإسلامي في الأساس لمحوها وإقامة شريعة الله التي لا فرق بين أسود وأبيض أو عربي وأجنبي بغير التقوى الإيماني.
المجتمعات المسلمة ذاقت في كنف الهاشمية السياسية الاضطهاد والازدراء فطوال حقبة قرن ونصف والمجتمعات لم تعرف استقراراً بسبب الصراع على الحكم.. ويلات ومآسي رزحت لوطأتها المجتمعات منذ ما بعد وفاة الرسول وحتى يومنا الذي مازالت الدماء غزيرة سائحة باسم الله ورسوله وآل بيته الذين توفاهم الله جميعا وبالكاد الواحد منهم يملك قوت يومه من أكل وشراب وفي وقت ادعياء آل البيت يملكون اليوم ثروات طائلة عائدة عليهم من النصب والاحتيال على العباد..
خلال حقبة الجمهوريات اعتقدت هذه المجتمعات ان الأفكار القومية والاشتراكية والليبرالية والحداثية والديمقراطية باتت طاغية وان النكوص بها ليس واردا..
ستة عقود ونيف من زمن الشعارات الثورية المناهضة للعنصرية والسلالية والرجعية والكهنوتية، كيف تبددت فجأة وتبخرت في فضاء من الوهم القومي الأممي الإنساني الوطني؟ عقود من التنظير والتحزب والجدل السفسطائي العبثي في أفكار البعث والناصرية والشيوعية والليبرالية، لتأتي ثورات الربيع العربي كاشفة لعورات النخب السياسية.
فهذا القانص ورفاقه في البعث القطري ينتهكون مبادئ ميشيل عفلق وصلاح البيطار كيما تبقي سورية مقاطعة علوية واليمن مزرعة حوثية، وذاك المقالح التقدمي الاشتراكي الإخواني الذي بات الآن عراباً لجماعة سلالية كهنوتية، وذاك الحكيمي والسامعي والشامي وغيرهم ممن شغلونا نصف قرن في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وإذا بهم يتساقطون على قارعة الهاشمية السياسية التي يستحيل ان تعيش طويلا مهما تراءى لهم ذلك.
ختاما.. رحم الله القاضي/ أحمد الشامي، الذي كان على ﺍلأﻗﻞ صريحا حين قال منتشيا ذات حقبة تاريخية أبياته الشعرية الشهيرة عقب زيارته وجماعة قناديل لإيران، اذ قال موجها شعره لولي عهد السعودية وقتها الامير فهد بن عبد العزيز:
قل لفهد والقصور العوانس إننا سادة أباة أشاوس
سنعيد الحكم للإمامة إما بثوب النبي أو بأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز ونجدٌ فلنا إخوة كرام بفارس
محمد علي محسن
الهاشمية السياسية2 1507