منظر جميل ورائع، شعور مريح مزيح للهموم وآثار الحرب والنكسات، إنه منظر طلاب المدارس بزيهم المدرسي الموحد صباحاً في الشارع، وحقائبهم المدرسية يسيرون جماعات للذهاب للمدرسة، شعور بتطبيع الحياة بالأمل، ندعو الله أن يوفقهم، مدارس تم إعادة طلائها بألوان وزخرفات جميلة، تسر الناظرين، لكننا نريدها أن تسر العلم والمعرفة وطلبتهم.
وللعلم بعض المدارس المدمرة لم ترمم إلى اليوم، خلف هذا المنظر فريق تربوي خطط وبرمج للبدء بالعام الدراسي، في ظروف صعبة وإمكانيات شحيحة، يشكرون على ذلك، لكن الطموح أكبر، والحلم أفضل، فجّرني التفكير بالكهرباء، مساكين صفوف مكتظة بالطلاب، وتلقي المعلومة والاستيعاب له ظروف وبيئة تناسبه، في جو حار، وعرق، ستجد، الأنات والآهات، وروائح التنفس العلوي والسفلي، ألا يستحق هؤلاء الطلاب منا قليلا من الاهتمام، ودعما خارجيا وداخليا، ودراسة لكيفية تجاوز الانقطاع الكهربائي للمدارس بالتنسيق مع إدارة الكهرباء، في فترة الدوام المدرسي، ونحن في المساكن مستعدون القبول بأولوية الكهرباء للتعليم ولطلابنا.
عدن والمناطق المحررة، تنفض عنها غبار الحرب، وتطبيع الحياة، وإعادة تقويم النفوس وإصلاح الشروخ الاجتماعية والوطنية التي تسببت بها الحرب اللعينة، جيل تكونت مداركه البنيوية في مرحلة حرب، تفتح عقله على صوت دوي الانفجاريات، ورعب الهروب من القذائف، ومناظر الأشلاء والدماء المهدورة، وتعود على منظر الشتات والنزوح، يعني أن جيلا يحتاج منا لإعادة تأهيل وتصحيح لسلوكه ومداركه وإصلاح الشروخ النفسية فيه، إنه جيل مرحلة التعليم الابتدائي، هل دُرس وضع كهذا؟، وهل هناك فريق تربوي نفسي يعد الخطط والبرامج لمعالجة هذه الحالة؟، أم نحن لا نفكر فقط بالشكليات تفتح المدارس ويزج بالأطفال في صفوف مكتظة، والنتيجة لا تهم، وما أرجوه من زملائي التربويين، أن يجنبوا التعليم من الاختلافات السياسية، ويحيدوه، ويصونوا الجيل من الصراعات المدمرة والفتن والطائفية والمناطقية والكراهية، اجعلوه جيل وطنيا صرف طاهر ونظيف من خبائث السياسيين ومكر الماكرين، يكفي ما نراه من نتائج الشحن السلبي للمجتمع.
المناطق المحررة ومنها عدن بحاجة لإعادة تأهيل الجيل والإنسان كان صغيرا وكبيرا شابا وكهلاً مما تركته الحرب من أثار على الجميع وما تسببت به من شروخ نفسية عميقة، نحن بحاجة لحملة توعية نوعية، لإعلام موجه يخاطب هذه النفوس ويزرع الأمل، وينتزع منها الخوف والرعب والرهاب.
افتقدنا لإذاعة عدن في أغانيها الصباحية،( صباح الخير من بدري أمانة شلها يا طير وصحي اللي نوى هجري وقل له يا صباح الخير ومن همي وآهاتي تبلغ له تحياتي وأشواقي اليه يا طير وقل له يا صباح).
إذاعة تبث فيك النشاط والحيوية وتزرع الأمل والخير وتنزع منك اليأس والتجهم، وهكذا بتلفزيون عدن، والأغاني التراثية الجميلة التي تعيدك للزمن الجميل وتبعدك عن هذا البائس والواقع ورداءته، والبرامج التثقيفية والنفسية والأسرية والعلم والإنسان لأحمد عمر بن سلمان وصحيفة أكتوبر الغراء، لماذا هذه الوسائل مغلقة، هل يراد لعدن أن تبقى كئيبة، تعيش الحرب والواقع الرديء، تعيش البؤس والخذلان، سؤال على وزير الإعلام والسلطة المحلية الإجابة عليه، لن تتطبع أوضاع عدن دون جهود تبذل وإعلام تثقيفي وتوعوي، وأجواء دراسية مناسبة وبيئة صحية ونفسية مهيأة، لتستعيد عدن روحها ورونقها، ونبني جيلا صحيا متعافيا خاليا من الأمراض الاجتماعية والنفسية، لا علاقة له بالخصومة والكراهية والمناطقية والطائفية المنتشرة اليوم والمعكرة صفو حياتنا.
أحمد ناصر حميدان
التعليم وتقويم النفوس 1513