تداعى المجتمع الدولي نحو فرض هدنة إنسانية في اليمن مدتها 72 ساعة لم يكن الغرض منها السماح بدخول المساعدات الإنسانية وتوفير الأمن والغذاء والدواء والمشتقات النفطية لملايين البشر، ولم يكن الغرض منها وضع حد لمعاناة شعب جثمت على صدره أرتال الميليشيات الحوثية، وبالتأكيد ليس الغرض منها منح العقل فرصة للتفكير في كيفية استعادة الدولة الشرعية وإنهاء الانقلاب ومظاهره وما ترتب عليه، وليس في حسبان المجتمع الدولي إيقاف تهديد دول الجوار بالأسلحة الإيرانية التي بيد حلفاء طهران الحوثيين، ولم يتحرك ضمير العالم الميت لإخراج 8 آلاف معتقل مدني في سجون الميليشيات، وليس في نيته الحديث عن آلاف حالات الانتهاك لحقوق الإنسان والحريات العامة، ومسألة تجنيد الأطفال والزج بهم وقوداً في معارك الميليشيا الحوثية هي في نظر المجتمع الدولي شأن داخلي، وقصف الأحياء المكتظة بالسكان شيء «مؤسف» وكفى، وتفجير المدارس والمستشفيات والجسور والطرقات والمنشآت الحيوية أمر يستدعي لأجله بيان مقتضب يتلوه موظف من الدرجة العاشرة في منظمة مغمورة. ما المشكلة إذاً؟!. المشكلة أن استهداف الحوثيين للبارجات الأميركية في مضيق باب المندب يهدد المصالح الأميركية/ الغربية في المنطقة، ما يعني ضرورة وضع هدنة عاجلة يعقبها الإسراع في تشكيل حكومة وطنية مناصفة بين الانقلابين والقيادة الشرعية وتباشر الحكومة الجديدة عملها من صنعاء بأسرع وقتٍ ممكن... هكذا تبدو رؤية وزير خارجية أميركا جون كيري. العالم لا يتعامل معنا إلا بصفتنا مشكلة أمنيةً تهدد مصالحه في منطقة حيوية وقابلة للاشتعال في آن. هذا الموقف المسؤول يحيل الذاكرة إلى تداعي مشابه في نهاية العام 2008 حين فشل الشاب «الفاروق عبدالمطلب» في تفجير طائرة أميركية كانت متجهة من أمستردام إلى لوس انجلوس عشية الاحتفال بعيد رأس السنة ولأن أجهزة الاستخبارات الغربية قد كشفت وقتها عن إقامة الشاب المنتمي إلى أسرة نيجيرية ثرية قد أقام فترة قصيرة جداً في اليمن، فإن هذا سبب كاف للتداعي إلى لندن وعقد مؤتمر عاجل للمانحين لمناقشة المشكلة الأمنية القادمة من اليمن، قبل أن تكبر وتمثل تهديداً حقيقياً لمصالحهم. يكرر التاريخ مأساته ويجتمع اليوم صناع قرارنا المحلي، ويحددون متى تقف الحرب ومتى تدخل المساعدات، ومتى يستأنف الموت نشاطه في اليمن، دون أن يحددوا متى ينتهي الانقلاب ومتى تُستَعاد الدولة اليمنية المختطفة، لأن ذلك يتطلب بدرجة رئيسية نزع أدوات الموت من يد الميليشيا وهو السلاح، ويجعلها مخيرة بين أمرين: التحول إلى حزب سياسي مدني أو البقاء جماعة متمردة مجرمة، وهذا ما لا يريده رعاة المشروع الأميركي الإيراني في المنطقة. إذا لم يستوعب العالم أن على هذه الأرض شعبا كريما وإرثا حضاريا عمره 4 آلاف سنة، وذاكرة كالحة السواد عن حكم الأئمة الذين تسعى أميركا إلى إعادة تنصيبهم حكاماً على اليمن مرةً أخرى فإن هذه الحرب سيطول أمدها حتى تفضي إلى نتيجة واحدة إما أن يموت كل الشعب أو تنتصر الجماعة الحوثية. أما الحلول الفوقية التي تقرها فنادق العواصم وطاولات المتحدثين بلسان غير يمني فهي صبغة سياسية لها هدف واحد فقط هو إخراج التحالف العربي من المشهد اليمني، وترك اليمنيين يواجهون معاركهم الطاحنة لعشرات السنين وسيقف الرعاة موجهين بالمال والسلاح والقرارات الأممية حتى تنتصر ميليشيا على دولة وعصابة على شعب. لكن هل سينتصرون فعلاً؟!. شواهد التاريخ –وما أصدقها- تقول إن لليمني إرادة تفل الحديد وقوة تذيب الجبال؛ والشعب الذي قاوم طغاة الأئمة المحتلين الوافدين من طبرستان ألف عام.. وانتصر، قادر أن يقاومهم ألف عام أخرى... وينتصر. *مقال للكاتب في صحيفة الوطن القطرية
عارف أبو حاتم
اليمن شعب ودولة وليس مشكلة أمنية 1158