المزعج جداً في وطني، أنه بلد الخصام، والخصومة فيه فاجرة، لخبطت كياننا، وخلطت أوراقنا، الإشاعة مستشرية، بل مروجوها كثر، والتربص سلوك وثقافة اختارها البعض ليكون جزءاً من رداءة واقع اليوم، وتحول إلى متربص لا يتوانى عن التنبيش في المزابل والمرادم مادام أن هذا التنبيش قد يصل به للعثور على زلة هنا أو غلطة هناك، وهو قارئ سيئ لما بين السطور وتحت الكلمات، واصطياد الأخطاء الصغيرة ليحجمها ويعمل منها مشكلة.. لا يتردد في الكذب على خصومه، فهذا الفعل ضرورة مباحة في فقه التربص، وتسويق الشائعات هو فن ترويجي تقتضيه المرحلة التربصية، هو ناتج لثقافة الكراهية المزمنة والحقد المستشري، وطن ينهار، والبعض يستمتع بما يدور، للأسف أصبحنا نعيش حالة متردية في كل أوضاعنا سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية أو صحية أو حتى خدمية ومعيشية، فضائح وتجاوزات مخزية وصمت رهيب عنها، نقول بعكس ما نمارس، والمصائب تنهال على رؤوسنا صباحاً ومساءً في كل مجالات الحياة.
نعتقد أننا انتصرنا، وإذا بنا نصرخ من الفشل، قالوا تحررنا، ولازلنا مقيدين بأوهام وأفكار تجرنا للخلف وتعيق انطلاقنا، فساد معشش فينا، ما كان يهزنا في السابق اليوم لم يعد يؤثر فينا، بل يزداد تذمرنا وتشاؤمنا، وتحطم معنوياتنا، فعلنا الثوري في خطر يخترق من قبل أعداء الثورة، الكل مندهش، والمعالجات ضعيفة، والمواجهة مشبوهة، الكل يشير بأصبع الاتهام للآخر، البعض يعيش فيه شيطان بخيال صنع ليبقى في صراع مع المختلف والآخر إلى أن ينهار، ومتى يصحو من هذا العبث؟
والله إن المرء يتحسر ويتألم لحال الوطن والمواطن، ويسأل بحزن أين الثورة؟ أين الثوار وحماسهم ووحدتهم؟! مزقتهما الأيدولوجيا أم قوى التخلف وأعداؤهم لفرق متناحرة ومتنافرة، وجميعهم يشكون من حالنا وفشلنا وتخاذلنا لمشروعنا الوطني الذي يقال إنهم يحملونه..
البلد استشرت فيه الرذائل والجريمة والفساد والارتزاق والتآمر، بلد ينهار بيد أبنائه الذين تحولوا لمليشيات، الموت يحصدهم والجنائز في كل بيت ومدينة وقرية، متى يصحون.. هذا الشعب الذي فرقته قوى المصالح والنفوذ، هل يوحده الجوع والمهانة والفشل، وتجمعهم المعاناة، ليعود لرشده والحلم الذي يسكنه الدولة العادلة والضامنة للحريات والعدالة، يعود لمخرجات الحوار والدستور، لننتصر لمشروعنا وحلمنا، لو فكر وتفكر في حاله اليوم والانقسامات والخصومة، سيجد أنها عبث تخدم أعداءه وناهبيه والطغاة والمستبدين، قوى الجنون التي خربت ودمّرت الوطن ونسيجه الاجتماعي وشرخت نسيجه الوطني، وزجت بالوطن لحرب ضحاياه المساكين والبسطاء وتجاره النافذين والطغاة، متى نرى الشعب يحاسب كل مستبد وطاغية وفاسد ومرتزق ومتآمر وعنيف كان الوطن ضحية تهوره وطيشه وعنجهيته..
متى ستلتحم قوى الثورة والفكر الجديد النير قوى التغيير والتحول المنشود، لتوقف هذه المهازل وهذا الدمار وهذا الجوع والاهانة لهذا المواطن؟ كفى تخاذلا واصطفافا مع أصنام بشرية طغت واستبدت ونهبت وعبثت ونفثت سمومها فينا من قذارة وأوساخ ورداءة.. الاعتراف بالخطأ ليس جريمة، الجريمة التمادي والاستمرار بمسار الأخطاء ولمزيد من الانهيار، ومن حسنات النقاء هو تصحيح المسار للبحث عن الحق ومع الحق لنضيء قنديلاً ينير الطريق من الظلمة ونبث في النفوس بادرة أمل لنرسي العدل والمساواة والحرية والدولة الضامنة لهم والوطن الذي يستوعب الجميع، الوطن أغلي.
أحمد ناصر حميدان
كفى عبثاً لنفكر بالوطن أغلى 1501