برحيل المهندس والمناضل الفذ/ فيصل بن شملان- رحمة الله- إلى لقاء ربه، يكون اليمن قد خسر أحد أبرز قادته العظماء، ورواد التغيير الزعماء.
فقد كان أبو تمام رمزاً للنزاهة والنقاء وعفاف اليد عن المال العام، ورجل دولة من الطراز الأول، وصاحب تجربة وخبرة في الإدارة والاقتصاد والسياسة، وقبل كل شيء في الأمانة والإخلاص والكفاءة.
ورغم توليه أكثر من منصب رسمي متنقلاً على كل تلك الكراسي التي تسيل لها لعاب الكثيرين من عبّاد المناصب وبائعي القيم والمبادئ، إلا أنها بالنسبة لمناضل وطني كفيصل بن شملان لم تكن سوى إدارات خدمية لصالح البلاد والعباد.
ولمّا لم تعد كذلك كما حدث معه عندما تولى حقيبة النفط وما أدراك ما وزارة النفط والمعادن، حينما صار المتحكم فيها الفساد قرر أن يقدم استقالته ويرجع سيارته إلى حوش الوزارة في واحدة من انصع صور النزاهة والإخلاص والانحياز لصالح الشعب.
وسجل بتلك الخطوة قصب السبق عندما يجد المرء نفسه على هرم المسؤولية عاجزاً عن فعل شيء لصالح جماهير الشعب بفعل أمور لا تتعلق بضعف خبرته أو دليل فشلة كما يحاول أن يصور ذلك المنتفعون في كراسي الحكم، وإنما ليعطي درسا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد بترك المناصب، بدلا من الإسراف في الوعود الكاذبة بالإصلاح والتغيير في حين هو اعجز من أن يفعل ذلك.
لقد كان بن شملان - رحمة الله - نموذجا للشخصية اليمنية التي بحث عنها كل يمني نزاهة وتواضعا وصاحب حكمة مشهودة لمعالجة الاختلالات التي تعيشها البلاد سياسياً واقتصادياً، وقد رحل الفقيد واليمن في أمس الحاجة لرؤاه التي أثبتت الأيام أنها كانت ولا تزال تحمل أساس الحل الناجع لازمات البلاد الطاحنة بحسب بيان النعي لحزبنا الإصلاح الرائد.
لن ينس شعبنا يوم جعل بن شملان المنصب الأول في البلاد عرضة للمنافسة وترسيخ قاعدة التداول السلمي للسلطة في الانتخابات الرئاسية في2006م، حينما نافس الرئيس الذي قضى أكثر من ثلاثة عقود في كرسي الحكم، وأعاد الأمل بتلك الخطوة العظيمة التي كسر بها حاجز الخوف والصنمية حول هذا المنصب لطموحات ملايين اليمنيين بإمكانية التغيير وإحداث التحول المنشود في حياتهم ومسيرتهم الخالدة نحو التنمية والرخاء والحياة الكريمة.
ولا زلت أتذكر يوم أن حضر بن شملان لمحافظة الضالع في مهرجان انتخابي حاشد، حيث عشت معه طعم الحرية، ومناخ التطلع لغد أفضل في لحظات جميلة لن تنس من ذاكرتي أبدا، وكثيرة هي القيم والمثل والفضائل التي خلفها الراحل وتمثل دروسا ومرجعا لا تقدر بثمن، لمن يبحثون مثلنا عن مسؤولين يؤثرون مصلحة شعوبهم ورفعة بلدانهم على حساب مصالحهم الشخصية الضيقة.
ولان سمة الهدوء والرصانة وعدم الظهور هي ما ميزت حياة بن شملان، فقد كان موته امتدادا لذلك كما كان يتمنى ربما، ولأن التاريخ أيضا يأبى أن يخلد في سجلاته وصفحاته إلا العظماء مثل أبي تمام.
كنا نأمل ممن نافسوه في الانتخابات أن يرتقوا بأنفسهم، وأن يجعلوا لهم حظا في إعطاء الرجل بعض حقوقه باعتباره رجل دولة سابق وقضى معظم حياته في خدمة وطنه وشعبه، إلا أن ذلك لم يحدث، وكأن التاريخ يقول لنا: ما الذي سيضيفه بيان نعي رئاسي أو حكومي يذيعه الإعلام الرسمي لرجل تحفل سيرته الذاتية بكل الشهادات والأوسمة التي قل أن تجتمع في شخص آخر، فضلا عن أن التاريخ يود أن يعلمنا أن صفحاته لا تقبل إلا العظماء وأن الصغار لا مكان لهم وسيبقون كذلك حتى في المواقف التي تُمنح لهم ليسجلوا لهم مكانا.
سنظل نذكرك حيا وميتا باعتبارك رائد التغيير وصانع الفرحة لتحقيق أحلامنا وآمالنا، وسنظل نقتفي أثرك وسيرتك العطرة على أمل أن نستمر في قيادة عجلة التغيير التي أرسيتها حتى نصل إلى الهدف المنشود الذي سعيت لتحقيقه، وإنا على ذلك لماضون، رحمك الله وأسكنك في الفردوس الأعلى، وإنا لله وإنا إلية راجعون.