الرغبة في التميز.. حب الظهور.. التوق للشهرة.. ميول بشرية تعتمل في نفوسنا جميعا..قال تعالى:
"هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاي مذكوراً"..
كل إنسان يحب أن يذكره الآخرون بالخير.. بشر كثر يفنون حياتهم في خوض مغامرات مهلكة؛ بغية نيل الشهرة..!
علماء.. مخترعون.. أدباء.. مفكرون.. شعراء.. فنانون.. كل يبحث عن الظهور وتخليد ذكره بعد موته..
قلة قليلة من البشر عوفيت من حب الظهور والرغبة في الشهرة..!
سوف أسوق لكم نموذجا لمحبي الظهور..بعدها يمكن لمن يهمه أن يكون متوازنا أن يناقش نواياه..
بدأت حكاية ابن جارة لنا، أرملة؛ بظهوره في الحي بصحبة زوجته المتحررة.. أطلا على المشهد بطريقة درامية صادمة؛ هي بمكياج صارخ.. بعباءة مفتوحة من اﻷمام.. بخصلات شعر منسدلة على الجبين..هو؛ ببنطال جينز قصير.. فوق الركبة.. تيشيرت ضيق.. سلاسل في المعصم وحول العنق.. وبقيا أقصوصة للحي لزمن..اختلفا.. انفصلا.. هي غابت عن المشهد..هو أصيب بنكسة نفسية..اكتئاب.. سافر لزمن ثم عاد.. وفي هذه المرة كان أيضا بطل الشهد.. لكن بقميص قصير إلى منتصف الساق..لحية طويلة إلى منتصف الصدر.. رآه الجميع ذاهبا آيبا من وإلى صلاة الجماعة.. إلى هنا كل شيء معقول؛ لكن ثمة أشياء لو لم أطلع عليها شخصيا..أسمعها من أمه.. التي هي جارة لنا؛ لما صدقت..!
تخلص الشاب من كل أثاث حجرته.. غرفة نومه الباهظة الثمن.. وافترش حصيرة.. اشترى"جرة" للماء.. اجتهد ﻹقناع والدته بالتخلص من الثلاجة؛ ﻷنها بدعة..!
جاء العيد فذبح الخروف.. قدده.. علق بعضه على سلك في المطبخ (هذه هي السنة).
صار أقصوصة الحي الأكثر إدهاشا للجميع!!
لقد شفى توقه للظهور..!
هذا الشاب يمثل أنموذجاً فجاً لمحبي الظهور.. المعضلة تكمن فيمن يحب الظهور؛ لكن نفسه تخدعه.. فهو ينكر حبه للظهور..!
من أشد هؤلاء إزعاجا للناس؛ طلاب العلم الشغوفين بالتنقيب عن فتاوى التشديد.. الحاملين لراية الاحتياط..المضيقين سعة دين الله.. المولعين بالقشور.. لا لشيء ؛سوى حبا في الظهور.. ليقال عن أحدهم:
ما أورعه.. ما أتقاه..!!
متغافلا عن أن الشرع قد مدح المؤمن التقي الخفي...!
أخيراً:
ماذا لو استطاع كل واحد منا الغوص في عمق إراداته، وتمحيص مسببات سلوكه واختياراته..؟!
حينها؛ ستصبح الحياة أكثر يسرا.. والوجوه أكثر صدقا.. والقلوب أكثر طهرا.. واﻷعمال أقرب إخلاصا..