قبل بضعة أيام توقفت صحيفة "السفير" اللبنانية وبعيد مسيرة صحافية دامت 43 عاماً، ودعت الصحيفة قراءها ومتابعيها بعنوان حزين تصدر الصفحة الأولى:" لبنان بلا صحيفة السفير".
شيء محزن ومروع هذا المآل الذي أجبر فيه أهم وأعرق مدرسة صحافية إلى إعلان وفاتها بهذه الطريقة التي لم تكن قط بحسبان أكثر المتشائمين.
طبعاً توقف الصحيفة الورقية لم يأت من فراغ، وإنما خلف القرار واقع جديد فرض نفسه على كبريات المؤسسات الصحافية العالمية، بينها صحف أميركية وبريطانية، نذكر منها صحيفة "الاندبندنت" البريطانية وكذا مجلة "نيوز ويك " وصحيفة " نيويورك تايمز " التي تحولت مجتمعه إلى صحف الكترونية.
وقبلها طبعا كانت صحيفة " كريستيان ساينس مونيتور" العريقة أوقفت طبعتها الورقية مكتفية بنسختها الالكترونية وبعيد قرن كامل من الصدور ورقيا، وعلى ذات المنوال سارت صحيفة " ذا روكي ماونتن نيوز" الأمريكية التي تعد أول صحيفة ورقية تقرر الإغلاق.
ولم يقتصر الأمر على هذه المطبوعات، إذ أعلنت مؤسسات إعلامية دولية عن تحولها من الورق إلى النسخة الالكترونية عبر شبكات الانترنت .ففي فرنسا توقفت صحيفة "فرانس سوار" مكتفية بنسختها الالكترونية وكذلك صحيفة " معاريف " الإسرائيلية الشهيرة التي توقفت أيضا بدءاً من يوليو المنصرم.
وإذا كانت صحيفة السفير اللبنانية سباقة في هذا المضمار؛ فإن صحفا لبنانية ومصرية وأردنية وخليجية في طريقها إما للتحول الكترونياً أو التوقف نهائياً، بسبب الإقبال الكثيف على الشبكة العنكبوتية خاصة بين جيل الشباب، فهناك صحف عربية شهيرة مثل "النهار" اللبنانية وصحيفة "الرأي" الأردنية والقائمة لا تنتهي من المطبوعات الورقية المنحدرة يوما عن يوم في توزيعها وانتشارها وقراءها.
نعم، الهوة تزيد بين قراء الصحف الالكترونية وبين قراء الصحف الورقية، وكلما زادت تطبيقات الشبكة العنكبوتية كلما كان ذلك على حساب المطبوعات وعلى حساب وسائل الإعلام المسموعة أيضا. فوفقاً لتلك الإحصائيات الرقمية هناك 1،7 مليار قارئ للصحف الورقية يقابله نحو 2،5 مليار متصفح لشبكة الانترنت ولصحفها وتطبيقاتها.
ما من شك فيه أن مئات الملايين ينضمون إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال هواتفهم الذكية، ما يحتم على الصحافة الورقية مجاراة التطور الحاصل في عملية النشر للإخبار والتقارير والأحداث، فالسرعة الفائقة التي وفرتها شبكة الانترنت بكل تأكيد صعبت من مهمة المنافسة.. فضلاً عن أنها سهلت من عملية التواصل بين جمهور الانترنت والعالم قاطبة، بحيث يمكن للقارئ البسيط وهو في غرفة نومه التواصل مع أي وسيلة إخبارية والتعليق على منشوراتها بيسر وسلاسة دونما تعقيد أو تأخير وفوق ذلك بالمجان.
ولا يقتصر الأمر على سهولة ومجانية الحصول على الصحف الالكترونية، وإنما يتعدى ذلك إلى سرعة النشر ومساحته وحفظه وإتاحته أيضا للنسخ والنقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" توتير " تيليجرام " " انستجرام " وغيرها.
هذا إذا ما استثنينا حقيقة أن الصحافة الالكترونية لا يستلزمها الإمكانيات المادية المنهكة للصحافة الورقية، من طباعة وتوزيع وعماله، بل وأكثر من ذلك إذ يمكن للصحف الالكترونية الانتقال إلى إذاعات وقنوات فضائية مرئية، فضلاً عن قدرتها الفائقة في عمل استبيانات تتعلق بمعرفة الرأي العام أو شكاويه ومن خلال رسائل نصية أو مصورة.
ختاماً.. هذا ما أردت قوله عن أزمة الصحافة الورقية، وعلى أولئك المتحمسين جداً لإنشاء صحيفة أو ورقية أو إذاعة صوتية أن يفكروا جلياً بأن المواطن العادي أو قولوا الفتى الصغير في المدرسة الأساسية بات اليوم متصفحاً نشطاً للشبكة العنكبوتية، وهو ما يستدعي مجاراة سوق رائج ومفتوح على العالم وأن لا ينتظر لحين تأتي اللحظة التي ستجبر القائمين على الصحف لإعلان وفاتها.
فمن خلال حاسوبه أو هاتفه الذكي يمكنه قراءة ومتابعة أهم الأحداث اليومية، بل وأكثر بحيث نجده مراسلاً ومصوراً ومعلقاً ومناقشاً ومشاركاً في صناعة الكثير من الأخبار والتقارير المنتشرة في مواقع الشبكة العالمية "الانترنت" كثورة تواصل خارقة لكل ما هو كلاسيكي من أنظمة وسيادة وحدود ووسائل اتصال.