في أخر لقاء لي بخبير اقتصادي ، كنت سألته : طالما والدولة رفعت يدها عن دعم المشتقات النفطية ؛ فلماذا لم تتحرر هذه المواد من احتكار الدولة ممثلة بشركة النفط أو المصفاة أو حتى شركة التاجر ألعيسي " عرب جلف " ؟
أجابني كخبير اقتصادي وأداري متمرس : سؤال كبير ومهم وحتما سيأتي اليوم الذي ستتحرر فيها المشتقات النفطية بحيث تصير متاحة للشراء والتوزيع والبيع أسوة بالسلع والمواد الأساسية التي باتت اليوم خاضعة لسياسة السوق المفتوحة .
وأضاف " في الظرفية الحالية ، لا اعتقد أن بلادنا بوضعها القائم مؤهلة لتحرير المشتقات النفطية ، فعلى أهميته وجدواه ، تبقى هناك عدة عوامل تحول دون رفع الدولة ليدها عن استيراد المشتقات " .
وتابع " فمن هذه الأسباب المانعة هو أن إجراء من هذا القبيل يستلزمه دولة مؤسسات قوية ومستقرة ، فضلا عن أن مهمة الشراء والاستيراد ينبغي أن تقوم بها شركات ومؤسسات تجارية قادرة على توفير احتياج السوق المحلي بكامل متطلباته ، وهذا لا يتوافر حاليا إلا في شركة النفط ، وعداها لا يوجد فاغلب الاستثمار الخاص يعتمد على منشآت وأصول وعمالة الدولة ، هذا إذا ما قلنا أن تحرير المشتقات يستدعي معالجة وضعية العمالة المقنعة المتراكمة الموجودة في مؤسسات الدولة التجارية تحديدا ".
وقال الاقتصادي إن الشركة بما تملكه من أصول إنشائية ومن عمالة فنية ومالية وتسويقية بمقدورها الدخول في المنافسة وبقوة ووفقا ومعايير السوق المفتوحة ، شريطة أن تكون هناك بيئة استثمارية مؤهلة وصالحة وضابطة لإيقاع التنافس على تقديم خدمة للمواطن وللسوق المحلية ، وقبل ذاك بلاد مستقرة ورؤية سياسية واضحة إزاء كثير من التحديات الاستثمارية والاقتصادية ".
ما فهمته من سياق حديثه هو أن العقود الماضية خلقت بدورها وضعية يصعب معالجتها بجرة قلم ، وإنما بحلول واقعية وجذرية يمكنها أن تأتي أكلها على البلد وأهله وليس فقط على خدمات الشركة النفطية ، فضلا عن خطر المجازفة في مسألة الالتزام بمعايير السوق ودونما وجود بدائل ضامنة ومطمئنة ، على اعتبار أن القطاع الخاص في الجانب النفطي ليس لديه الإمكانيات المطلوبة فجل اعتماده على أدوات ووسائل مملوكة للدولة .
الرئيس هادي ، قبل أيام ، عقد اجتماعاً موسعاً بحضور رئيس حكومته ،وضم وزير الداخلية ومحافظ عدن ، إلى جانب نائب وزير الكهرباء وكذا مديرا شركة النفط والمصافي ، ومدير الشركة المستوردة " خليج جلف " احمد العيسي .
وكان هدف الاجتماع مناقشة سبل حل أزمة المشتقات النفطية التي عادت ، متسببة بانقطاع التيار العمومي وتوقف مولدات الطاقة المعتمدة عليها المستشفيات الحكومية والخاصة ومراكز الكلى ، ناهيك عن ارتفاع تعرفة أجرة النقل وعودة ظاهرة السوق السوداء وغيرها من الأشياء التي أطلت بوجهها القبيح .
وبعيدا عن المعلومات الرسمية المملة ، قيل بان الاجتماع ناقش مقترحات عدة سيتم الإعلان عنها لاحقا ، وهذه المقترحات عبارة عن بدائل كفيلة بإنهاء الأزمة الخانقة . كما وحث على سداد استحقاقات على الكهرباء ،محملا المواطن جزءا من مسؤولية تلكم المديونية القاصمة لظهر مؤسسة الكهرباء .
السؤال الآن : إلى متى تظل أزمة المشتقات قضية القضايا ؟ وما الخيارات الممكنة لتجاوز الأزمات المتصلة ببعضها ؟ وهل من منتهى لقصة شركة النفط والمصفاة والتاجر ألعيسي وشركته المستوردة ؟ .
وهل هادي وحكومته في وضعية متحررة تسمح لهم باتخاذ تدابير صارمة بينها تحرير المشتقات من احتكار الدولة أو ألعيسي أو سواهما من القوى النافذة التي بكل تأكيد استفادت زمنا من دعم الدولة للمشتقات ؟ وهل السلطة الشرعية ستضحي بشركة النفط الحكومية أم شركة ألعيسي الخاصة أم الاثنين معا ؟ .
أسئلة كاثرة تنتظر إجابة ، وحتما الأيام القابلة ستكشف حقيقة تلك البدائل الموضوعة وما إذا كانت ذات نفع وجدوى على المواطن أم إنها مجرد مسكنات سرعان ما تزول بزوال وقتها ؟ .