التغيرات السياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي توحي بانعطافات كبيرة نحو التهدئة في معظم جبهات وبؤر التوتر، يعتبر الخطاب الدبلوماسي البريطاني مؤشراً هاماً على هذا الصعيد، فبريطانيا- التي كانت أهم وأكبر ناقد للسياسية الروسية خلال الفترة الماضية- أخذت تغير خطابها تجاه روسيا بصورة لم يتوقعها أحد حتى وقت قريب.
بوريس حونسن- وزير الخارجية البريطاني في خطاب له مؤخراً- قال" لا نستطيع أن نظل نستبعد موسكو ونشيطنها "demonise"إلى ما لا نهاية، لا بد من القبول بتفعيل دورها في حل مشاكل المنطقة".
وقال "لقد رفضنا طويلاً بقاء الأسد في معادلة الحل السوري، واليوم نقول مرة أخرى إن الأسد يجب أن يذهب ولكن ما حدث في حلب، وقرار الرئيس الأميركي ترمب بإعادة بناء العلاقات الثنائية مع روسيا، وكذا تقارب تركيا مع روسيا قد غير المعادلة، وهو الذي يجعلنا نفكر في الطريقة التي يتحقق بها خروج الأسد ولتكن الطريقة الديمقراطية وبواسطة الانتخابات وهو ما لا نستطيع أن نتجنبه."
وأشار إلى أن مشاوراته في واشنطن حول الوضع في المنطقة تناولت موقف الولايات المتحدة من إيران والتي ترى أن أي صفقة مع روسيا لإنهاء الحرب في سوريا لا بد أن تشمل إيران أيضا كداعم أساسي للأسد. ولكنه كما قال، لابد للإدارة الأمريكية أن تدرك أن أي شيء من هذا القبيل لا يمكن أن يتحقق مع بقاء سياسة التوسع الإيرانية الحالية في الإقليم.ودافع عن موقف حكومته من بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية.
إن مثل هذه التصريحات تحمل معها بوادر توجهات لسياسة جديدة لن يكون اليمن بمعزل عنها، فالمصالح الإقليمية والدولية تتحرك في اتجاهات متباعدة ومتقاربة، وابلغ تعبير هو ما قالته رئيسة وزراء بريطانيا في لقائها بقادة الحزب الجمهوري في ولاية فيلادلفيا عندما سئلت عن إمكانية العمل مع ترمب أجابت "opposites attract " اي أن المتناقضات تنجذب نحو بعضها.. في تشبيه للظواهر الاجتماعية والسياسية بالظواهر الفيزيائية والميكانيكية.
بمعنى أن كل شيء ممكن وان التناقضات مهما كانت كبيرة فإنها لا يمكن أن تحول دون إنتاج توافقات لإدارة المصالح المشتركة.
الشطط الذي كان يحكم خطاب إيران تجاه جيرانها هو على المحك اليوم خاصة وأن متطلبات الحروب غير متطلبات السلام.. تساءل أحد المعلقين عما يمكن أن تقدمه إيران لسوريا في حالة السلام ؟؟
وأجاب كخبير في الشئون الإيرانية أن إيران لا تجيد سوى تقديم السلاح والمشاركة في تدمير البلدان العربية، أما البناء وإعادة الإعمار فان تاريخها في هذا الجانب يفتقر إلى المصداقية ولا يقدم أي دليل على أنها توليه أي اهتمام، ناهيك عن أن وضعها الاقتصادي المنهار لن يسمح لها بأي دور في إعادة الإعمار وهو ما يضعها على المحك أمام حلفائها، فهل سيكون ملف إعادة الإعمار ومتطلباته سبباً في إنتاج موقف سياسي جديد نحو علاقات إقليمية مرنة ؟؟
قد تكون هذه لحظات تاريخية لا بد من التقاطها جيداً بفرض واقع على الأرض يجبر المنقلبين على العملية السياسية والسلام التفكير جيداً في هذا الخيار لاستعادة الدولة دون شروط وإعادة بنائها بالأسس التي تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني والتوجه نحو المستقبل بخيارات تكون الكلمة أولا وأخيرا فيها للشعب.