من الصعب إحصاء عدد المواقف والتصريحات الغربية؛ الرسمية أو تلك الصادرة عن نخب سياسية وثقافية واجتماعية، والتي جاءت رداً على القرار العنصري الذي اتخذه ترامب بحق مواطني 6 دول عربية، إلى جانب إيران، عبر منعهم من دخول الولايات المتحدة.
من الصعب إحصاؤها، لأنها كثيرة جدا، أما الجانب الآخر فيتمثل في البعد الشعبي، إذ خرج مئات الآلاف في أميركا ضد القرار، بينما طالب أكثر من مليون بريطاني عبر عريضة بمنع ترامب من دخول بريطانيا بسبب القرار. هذا ونحن نكتب بعد أيام فقط من صدور القرار.
في المقابل، بدا أن صمتاً غريباً قد استولى على المجال الرسمي العربي حيال القرار، باستثناء تصريح للجامعة العربية، بل إن هناك من لم يتورع عن الدفاع عنه، فيما لم نعثر على أكثر من بيانات تنديد من قبل قلة من الفعاليات الشعبية العربية، وإن شارك مثقفون وكتاب في الإدانة بهذا القدر أو ذاك.
لعل للبعد الشعبي العربي بعض التفسير، فهنا أمة تنهشها السهام من كل جانب، وتتكاثر جراحها على نحو يجعل من الصعب عليها الانتباه إلى قصة جديدة من هذا النوع، قد لا تبدو بالغة الأهمية.
أيا يكن الأمر، فما يعنينا هنا هو التأكيد على أن وضع العالم الغربي؛ أنظمة وشعوبا في سلة واحدة حيال قضايانا ليس من المنطق، ولا من السياسة في شيء. وحين يعلن رئيس وزراء كندا، وهو الذي يقود بلدا له تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، ضمن المنظومة الأنجلوساكسونية..
حين يدين قرار ترامب (حدث ذلك قبل الهجوم الوحشي على المسجد)، ويعلن استعداد بلاده لمنح إقامة مؤقتة لبعض الذين أصابهم القرار، فهذا موقف يستحق الكثير من الترحيب، وقبل ذلك التوقف.
في الغرب حالة غريبة، فكما أن الروح الإنسانية تصعد على نحو لافت في كثير من الأوساط الشعبية، تصعد في المقابل روح يمينية عنصرية حيال الآخرين، بخاصة المهاجرين، وهنا تحضر النزعات العنصرية الطبيعية من جهة، فيما تحضر الأبعاد المصلحية ذات الصلة بالخوف من مزاحمة المهاجرين لهم في الرزق من جهة أخرى.
حتى في المعسكر الذي انحاز لترامب مثلاً، أو ذلك الذي صوت لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، لا يمكن وضع الجميع في سلة واحد، فلكل منهم حساباته، وقد تكون لبعضهم مواقفه الرافضة للعنصرية.
لكن ما لا ينبغي تجاهله بأي حال من الأحوال، هو أن بعض الهجمات التي تم تنفيذها ضد مدنيين غربيين باسم الإسلام والمسلمين، قد ساهمت بدورها في تصاعد النبرة العنصرية، في ذات الوقت الذي أساءت فيه للإسلام والمسلمين، من دون أن تحقق لمنفذيها شيئا خارج دائرة الاستعراض، وربما النكاية التي لا تخدم قضية ولا دينا بأي حال.
كما لا ينبغي أيضا تجاهل بعض السلوكيات غير السوية التي تصدر عن المهاجرين العرب والمسلمين، والتي تسيء بدورها لهم، وللقيم التي يحملونها، وهو ما يستدعي التركيز من قبل رموزهم ومثقفيهم على البعد الرسالي في وجود الإنسان المسلم في تلك الديار، فضلا عن الانخراط في النشاط السياسي والعام بحيث يصبحون مؤثرين بمرور الوقت.
هي قصة مركبة ومعقدة، ولها جوانب كثيرة، لكن العنوان الذي يعنينا هنا هو أن من غير المنطق ولا العدل وضع الجميع في الغرب في سلة واحدة، أو التعامل معه ككتلة مصمتة، ولا بد من التفريق بين المواقف، حتى لا يتورط الناس في اليأس من جهة، أو دعم ردود الفعل الرعناء من جهة أخرى.