سيقول التاريخ إن ثورة فبراير كانت نتيجة حتمية وردة فعل طبيعية على فشل ذريع وفساد مروع ومظالم بلا حساب، عانتها اليمن قبل تلك الثورة.. وأنها كانت محاولة إنقاذ شريفه المقاصد نبيلة الغايات، لوضع بلد تدهورت أحواله منذ أكثر من خمسة عشر عاما من الزمن قبل ثورة فبراير.. كان من مظاهر ذلك التدهور تفشي الإرهاب وانتشار الفساد، وفشل الإدارة والقيادة، وكان من أبرز نتائج ذلك الفشل اندلاع حركة الحوثي المسلحة في 2004.
كان الربيع العربي، في مجمله عبارة عن انفجار، أو زلزال، توقعه المتابعون في العالم، نتيجة لتفاقم فساد الحكم في كثير من بلاد العرب.. لكنه كان يعبر أيضا عن توق العرب لحال يسوده العدل والحريّة والتنمية والنزاهة والكرامة.
ما يحدث الآن من مآسٍ في العالم العربي، ليس بسبب الربيع العربي كما يزعمون، لكنه حصيلة لعمق وتحذر وتشعب الفساد والاستبداد والاختلالات التي سادت وتراكمت طيلة عقود طويلة ماضية.
قبل الربيع، كان المرحوم الأستاذ/ محمد حسنين هيكل يعلق في قناة الجزيرة على وثائق ويكليكس التي تحكي عن الفساد في تونس، وقال في توجس: سيقود هذا الفساد الكبير إلى انفجار كبير ومروع في منطقتنا.
لم تكن تونس الأكثر فساداً وفشلاً من بين دول الربيع العربي، وكانت اليمن الأكثر حاجة إلى التغيير من بين كل دول العالم وفقاً لتعبير عبد الرحمن الراشد، عند نزل الشباب إلى الساحات.. وتحدثت المؤسسات الدولية طويلاً وبالتفصيل عن اليمن التي هي في طريقها لتكون دولة فاشلة، ولَم تتحدث بمثل ذلك عن تونس أو مصر أو سوريا أو ليبيا.
لعل كثيرين، ومن بينهم كاتب هذه السطور، يحبذون دائماً أن يتم التغيير بالإصلاح وليس عن طريق الثورة، لكن إذا تعذر الإصلاح المتدرج، وانسدت طرقه وسبله، فلا مناص أن تكون الثورة وربما الانفجار نتيجة طبيعية وحتمية.
كانت ثورة الربيع في اليمن أقرب إلى الإصلاح منها إلى الثورة، وكان غايتها السلام والوئام والكرامة والحريّة، وتمخض عنها انتخاب رئيس وفاقي وحكومة الوفاق التي شارك فيها الجميع، وتحدث العالم مجدداً عن الحكمة اليمانية... لكن هناك من أراد إجهاض كل شيء والانقضاض على كل شيء.. إنهم أولئك الذين تعاظم كيدهم وتمخض جهدهم عن احتلال عاصمة البلاد، صنعاء، ونشروا الخراب والدمار من بعد في كل ربوع الوطن وأرجائه.