زمن المغامرات السياسية أفل بزوال حقبة تاريخية حفلت بالخطاب الثوري الديموغوجي المشحون بمفردات وشعارات رومانسية أثبتت التجربة الطويلة أنها لا تأكل عيشا أو تبني وطنا قويا ومزدهرا.
وعلى هذا الأساس أدعو كافة الفرقاء السياسيين لأن يتعلموا كيف يديرون خلافاتهم وبأساليب وطرق عصرية وواقعية لا تلغي أو تقصي أحدا؟ فبدلا من تحشيد أتباعهم وبشكل فج ووقح ومجنون، عليهم تحكيم لغة الحوار والمنطق والنظام وفي جل القضايا الوطنية.
فطالما هي قضايا وطنية وليست شخصية فليس من حقهم إرغامنا على الموت من أجل أن يبقوا في كراسيهم ومكاتبهم الوثيرة، فمثل هذا المنطق أعده أجوفاً ومجنونا.
الجماعة الحوثية حين تبعت ثلة مغامرين كانت الحصيلة أنها زحفت إلى عمران ومن ثم أسقطت العاصمة صنعاء واستولت على السلطة وفرضت الإقامة الإجبارية على الرئيس وحكومته.
ويا ليت أنها توقفت عن مغامراتها هنا، بل زادت أطماعها ومغامراتها فذهبت إلى ابعد ما يتصوره عقل ومنطق، لقد زحفت جماعاتها إلى كافة محافظات البلاد، فلم تتورع لحظة عن ملاحقة الرئيس هادي إلى قصر معاشيق في عدن.
مغامرة مجنونة ظن أصحابها بمنتهاها عند بلوغهم الساحلين الجنوبي والشرقي.. ولأنها مغامرة غير محسوبة النتيجة فان الجماعة دفعت ثمنها باهظا ومازال اليمنيين يدفعون كلفة مغامرتها الطائشة اليوم وغدا.
وعودة للموضوع يمكن القول أن أي مغامرة سياسية جديدة بلا شك ستكون مآلاتها كارثية على الجميع ودون استثناء، وعندما استخدم مفردة الجميع فاقصد هنا كافة اليمنيين في المحافظات المحررة أو تلك المسيطرة عليها قوى الانقلاب.
ففي كل الأحوال لدينا واقع جديد في محافظات الجنوب وينبغي التعاطي معه بحنكة وصدق من قبل السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي وحكومته، وبالمقابل هناك تحولات طرأت في محافظات الشمال وعلى قيادات جنوبية مناوئة زمنا للمخلوع ونظامه التعامل مع تلك المتغيرات بشيء من الكياسة والموضوعية.
قلت هذا الكلام عقب تعيين المحافظ الزبيدي ومدير الشرطة شلال شائع في ديسمبر قبل الماضي.. دعوت وقتها إلى التقارب المفضي لنتائج ايجابية على السكان المنهكين بفعل الحرب وما ترتب عنها من مشكلات حياتية وخدمية ونظامية.
الآن وبعيد عام ونيف أجد السلطات تشتغل بطريقة غريبة وفي مسارات متضادة مربكة للمواطن والمهتم والمتابع على حد سوا، فلا الرئاسة وحكومتها اقتربت ولامست جوهر المشكلة الواقعة بها السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية أو الأخيرة تفهمت وأدركت طبيعة العلاقة المفترضة مع السلطة الشرعية ومع دول التحالف.
نعم، ربما استسيغ فكرة كريستوفر كولومبس مكتشف أمريكا بمغامرته المجنونة، وكذا أن يغامر الإنسان بحياته من اجل فكرة خاطئة أو تجربة فاشلة؛ لكنني لا اقبل مطلقا أن يظل مجتمعنا لاهثاً لا هجاً بشعارات المغامرين السياسيين المهووسين بحب الذات وشهوة السلطة والقوة وعلى حساب مجتمعاتهم الفقيرة البائسة المنهكة معيشية وخدمة وحياة.
ما حدث في مطار عدن أعده ناقوسا كي يستشعر الكل بالمسؤولية الوطنية، وكي نعلن انحيازنا التام للدولة والنظام والمؤسسات، فنحن في سفينة واحدة وأي مغامرة طائشة لا تعني لنا غير غرق الجميع.
أأمل ألا تتكرر مظاهر العبث والفوضى في عدن أو سواها، وعلى السلطة الشرعية أن تمسك بزمام البوصلة من الآن وصاعدا بحيث لا تترك المحافظات المحررة وسلطاتها دون ضابط نظامي أو وجهة معروفة أو دعم حقيقي ملامس للسكان الذين ينتظرون منها فعل الكثير على صعيد الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء ووقف العبث الحاصل الناتج عن الجماعات المليشياوية غير نظامية أو أزمات المشتقات وكذا وقف انهيار العملة الوطنية وغيرها من القضايا الحياتية اليومية التي تستوجب المعالجات السريعة ودونما تباطئ أو تأخير.