الحرب أبشع جرائم البشر.. هي أسوأ مكائد أبالسة الجن والإنس.. الحرب تشتد وطأتها، وتتعاظم قسوتها حينما يفلح سادتها في إشعال نيرانها بين أبناء الوطن الواحد..!
الحرب هي الإجبار المرير الذي يمارسه الكبراء ضد الشعوب التي تجد نفسها فجأة ودون سابق إنذار، وقد أضحت وفي أقل من لمح البصر وقودا لمعارك لا يعرفون كيف ابتدأت ولا متى ستنتهي..؟!
القصف يطال الجميع.. البيوت تدك.. الأطفال يسحقون تحت الركام.. العجائز تركض بأقدام ضئيلة فراراً من الموت تحت الردم؛ لكن عبثاً..!
النساء تدفن رجالها، الأمهات تواري جثامين بنيها بين الثرى.. الخوف يجس الأماكن، ويرجف القلوب طوال أوقات الحرب التي تمتد في حيز الشعور، وتتطاول حتى يغدو اليوم كسنة، والسنة كقرن..!
يتنمر وحش الغلاء ليأتي على بقية القوى المستنزفة.. يا له من هول عظيم..!!
والحرب في البعد الشرعي تعد ابتلاء.. قال تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "!
هول الحرب يستحيل مدرسة للحكمة ومركزا للتدريب والتأهيل؛ فقط للصابرين..!
ومن يستطيع أن ينكر بأن شعب اليمن هو ملح الصبر، ومنبع الحكمة..؟!
الذين يظنون بأن هذه الحرب ستكسر إرادة هذا الشعب؛ فهم واهمون.. من حسب بأن أهدافه التآمرية من ورائها سوف تتم؛ فهو جاهل بحقيقة هذا الشعب الصامد عبر التاريخ..!
من يظن بأنه قد أوقع بثوار اليمن العقوبة الشافية لكراهيته وحقده؛ فسوف يموت كمدا؛ عندما يتبدد الغبار ويسكت السلاح ويرى كم هي إرادة أحرارنا صلبة، سوف يتضاءل ويتقزم وهو يعاين شموخ عنادهم في الحق..!!
هل اقترف ثوّار اليمن ذنبا، أو أتوا بحماقة غير مسببة بقيامهم بثورة فبراير.. هل ركبوا موجة ريح رعناء هبّت في سماء اليمن دونما مسوغ.. هل هم مجرد شرذمة متمردة، ناكرة لجميل حكامها.. هل كانوا مغامرين فحسب؛ عندما خرجوا في ثورة فبراير..؟؟؟!!
كل من عاش هاهنا ولو شهراً واحداً قبل ثورة فبراير، وكان لديه أدنى بصيرة، وأقل نبض ضمير سوف يقر بأنهم ما خرجوا إلا على ظلم مطبق وقهر عام..!!
الذين يراهنون على تركيع الثوار، وإزهاق روح الثورة فيهم ثلة مغفيّبة عن دراسة الواقع؛ عصابة أميّون، لا يقرؤون التاريخ ببصيرة، هم حتى لم يفهموا مفردات ثورة أحرار اليمن..!
يا أعداء اليمن ومهندسي محنها تأملوا.. إن الذين خرجوا في ثورة فبراير في اليمن لم يكونوا الفئة المسحوقة في المجتمع.. ليسوا فقراء الشعب البؤساء؛ لأن هذه الفئة المطحونة جلها لم يشارك في الثورة؛ بل كثير منهم كرهوها، وناهضوها ووقفوا في وجهها، واصطفوا في جانب النظام السابق..!
ومن خلال الدراسة النفسية للجماعات المسحوقة نجد بأن لهؤلاء تصنيفات، تتسم بسمات تدفع بهم جميعاً للنكوص والتخاذل، والقبول بعيش ذليل، والخوف حتى الذعر من الثورات والتغيير...!
إن الذين حملوا مشعل التغيير، وساروا في طريق الثورة هم نخبة المجتمع اليمني، هم الفئة المتوسطة التي تمثل المتغير الهام في مسيرات الأمم، وتصنع تحولاتها الخطيرة؛ وهذه الفئة أيضا يمكن تصنيفها حسب الأسباب التي دفعتها للخروج؛ وسنرى بجلاء بأن أبرزهم وأعظمهم أثراً هي تلك الفئة المتطلعة للأفضل..!
جيل الفضائيات والعالم الواحد، جيل تفتحت مداركه على رؤية عالم متقدم متطور منتج، كل فرد في هذه الفئة الطموحة يحلم باليوم الذي يرى فيه وطنه في مصاف الدول المتقدمة، يتطلع إلى تلك الساعة التي يمشي فيها بين الأمم رافعا رأسه بوطنه المتحضر..!
وفئة ثانية أخذ أخطبوب الفساد يطبق على مصادر أمنها المادي.. يهددها بالسقوط لأسفل طبقات المجتمع، والانضمام للطبقة المطحونة التي فقدت بسبب فقرها شعورها بكرامتها الإنسانية؛ هذه الفئة الراغبة في التمتع بحياة كريمة، والتي اشتعلت الثورة وهي متشبثة على حافة الهاوية رمت بكل ثقلها في الساحات ولسان حالها يقول " فإما حياة تسر الحبيب وإما ممات يغيظ العدا" !
وفئة متأملة، تقدّر قيمة الإنسان، وترى بوضوح كيف أنه غدا في وطننا أرخص ما يكون بسبب الحكم العائلي الفاسد ؛ وهذه الفئة نصفها من العلماء الذين أناروا طريق الثوار باستبصاراتهم، ونصفها من الأثرياء الذين ساندوا الثورة بأموالهم..!
والفئة الرابعة هي مزيج مما تبقى من أبناء الشعب، يتمتعون بسمة التحرر والاستقلالية، ويهزهم بركان غضب من ظلم الطغمة الحاكمة..!!
هذه هي أهم وأبرز الفئات التي أشعلت الثورة في اليمن، وارتضت بأن يكون أعز بنيها، وأغلى أموالها فداء لثورة التغيير..!
هذه الفئات الحرة لم ولن تكسر الحرب أفرادها؛ بل إن ما فهموه من دروس الحرب زاد من قوة إيمانهم بثورتهم.. إنهم اليوم متفرقون في جبهات.. بعضهم حمل السلاح وهو لم يعهده قبلا.. البعض يتسنم منبر الإعلام.. آخرون يمارسون العمل الإغاثي.. وفئات مفكرة متأملة تكتنز العبر، وتستشف الحكم.. والفئة الغاضبة الصامتة في هذه اللحظة؛ تراقب الموقف وتكتنز طاقة غضب إضافية؛ إما أن تستحيل فرحا عند نجاح الثورة بتحقيق غاياتها، وإما ستنفجر ثورة اجتثاث لا تبقي ولا تذر..!!
والخلاصة بأن لسان حال جميع فئات الثوار في هذه المرحلة القاتمة :
" إن لم تنتج هذه الثورة، وتفرز هذه الحرب الدولة التي ننشدها فإننا عائدون.."!!
الشعب اليمني تعلم الكثير من هذه الحرب الظالمة.. القاسية.. الضاغطة، استلهم عبراً ودروساً عديدة.. ألهمته الحرب حكمة جديدة.. مكنته من مهارات متفردة، لقد فهموا الكثير؛ فليت أن ساستها ومهندسيها يكونون أيضا قد تعلموا، وفهموا ما يجعلهم يختمون هذه الحرب بنهاية سديدة..!
نريد وطنا نعيش فيه محتفظين بكرامتنا وإنسانيتنا واحترامنا لذواتنا الفردية والجمعية..
لا يغرنكم ما تردده الفئة المسحوقة من عبارات انهزامية، هذه الفئة لا اعتبار لها في منظومة التغيير، هي ذاتها التي ناهضت الثورة من قبل، ووحدت نفسها مع الزعيم، وقد صدق فيها قول الشاعر: وما لضرب بميت إيلام..!
أصغوا إلى ما يقوله ثوار فبراير:
نريد عيشا كريما.. نريد الوطن الذي أشعلنا الثورة من أجل إشادته، والذي قدمنا قوافل الشهداء لكي نراه حقيقة ماثلة نعيشها.. نريد يمنا جديدا، عادلا، قويا، ناميا، آمنا.. نريد كل ذلك وإلا؛ فإن عدتم عدنا... !!