بثت القناة الفرنسية الخامسة قبل أيام فيلماً وثائقياً استقصائياً حول ظاهرة التجنيد للفتيات الفرنسيات من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي.
ما لفت نظري هو أن منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً الفيس بوك وتيليجرام، مثلا طريقة ذكية لاستقطاب الفتيات المراهقات اللائي هن في الأغلب من أصول عربية أو حديثات على الإسلام.
فاطمة وعايدة وعائشة ذهبن إلى سوريا والعراق وبطرق ووسائل شيطانية.. وهناك تزوجن وخضعن لتجربة قاسية ومريرة كافية لأن تنزع منهن الرحمة والإنسانية، إذ قدر لهن مشاهدة صور فظيعة وشنيعة يقوم بها أتباع التنظيم المتطرف، بينها الذبح والحرق والإعدامات وقطع الأيدي والأرجل.
الأمر الآخر الذي استوقفني هو أن أغلب الفتيات المستقطبات من رجال داعش، هن فتيات بسيطات تائهات بسبب مشكلات اجتماعية عائلية حياتية، ما ترتب عن هذه الأزمات الأسرية والمجتمعية من مشكلات تعليمية ونفسية ومالية وذهنية وعاطفية، أفضت في المحصلة إلى خلق شريحة واسعة من العاطلين المحبطين العاجزين عن مجاراة الحياة المعقدة المحيطة بهم.
إحداهن قبض عليها قبل تمكنها من السفر وهي الآن خاضعة لرقابة الشرطة الفرنسية وبشكل يومي، ورغم فرحتها بكونها ناجية من جحيم سوريا وكذا بخضوعها لجلسات وعظ وتوعية حررتها من أفكار خاطئة عن الإسلام، إلا أنها لم تخف وجعها وحزنها مما تسببت به لعائلتها المتواضعة التي حكم عليها بدفع مئاتين وخمسين ألف يورو، نظير جنحتها الطائشة.
فكل ما تعلمته الفتاة الصغيرة هو أن ذهابها إلى سوريا غايته الجهاد المفضي للفردوس، فقتلها هناك يصبح في هذه الحالة مبررا، كيف لا تذهب والفكرة الراسبة في ذهنها أنها تعمل ذلك كيما تشفع لسبعين نسمة من أقاربها وأصدقائها وأحبابها ممن هم كفرة ومشركين غارقين في الرذيلة والمعصية وسواها من المنكرات.
طبعا، حين انتهى التقرير الذي دام تصويره قرابة عام، تذكرت القاضية الوزيرة رشيدة داتي، المرأة القوية التي شقت لنفسها طريقا مغايرا أوصلها إلى منصب وزير العدل في حكومة ساركوزي 2007م وكذا عضوية البرلمان الأوربي، فضلا عن تبوئها رئاسة بلدية ومتحدثة باسم مرشح الرئاسة، ناهيك عن أن المرأة القوية أطلق عليها " وكيلة الجمهورية الفرنسية ".
لا مقاربة تذكر بين نجاح الوزيرة رشيدة ذات الأصول المغربية وبين إخفاق الفتيات المجاهدات اللائي هن ضحية عوامل عائلية وعاطفية ومجتمعية.
نعم.. شتان بين فتاة مسلمة توافرت لها العزيمة والمعرفة كي تكون حصينة من أي انحراف قاتل ومدمر لطاقة الإنسان، وبين فتيات سهل اقتناصهن فوقعن في شرك أفكار ظلامية هدامة فتاكة.. بين امرأة قدر لها تقديم صورة مشرفة عن دين الإسلام باعتباره ديناً متسامحاً مجسداً لقيم الحق والعدل والحياة والمساواة والمحبة، وبين نظيراتها النسوة اللائي هن في الأساس ضحايا جهل وفقر وعجز وإحباط وأفكار سوداوية ظلامية.