ما هو شعورك ككاتب عندما تصحو يوماً لتقرأ مقالاً منتشراً بشكل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى بعض المواقع الإخبارية باسمك؟..
تتحسس أطراف أصابعك وبنيات أفكارك، تصاب بالدهشة وأنت تجد القراء قد أقاموا معركة حامية في ما بينهم مع وضد على مقال لم تكتبه، ولم يقرؤوه في صفحتك على وسائل التواصل الاجتماعي، أو موقع الصحيفة التي تكتب فيها.
أحياناً تقرأ منشوراً صغيراً كتبه أحدهم على صفحته وذيله باسمك، ويكون عليه ردود كثيرة بين مؤيد ومعارض، وأنت غافل عن كل هذا الصخب. وأحياناً تقرأ خبراً عنك أو منسوباً لك في مكان ما وأنت آخر من يعلم، بل وآخر من يقرأ.
وخلال فترة السنوات الماضية بعد اندلاع موجات العنف التي أعقبت ما سمي بـ"الربيع العربي"، نشرت مقالات، وقصائد لا تحصى لكتاب وشعراء لم يكتبوها، من أجل الترويج لمضامين هذه المقالات أو محتوى تلك القصائد. نشر ـ على سبيل المثال- باسم أديب اليمن وشاعرها الدكتور/ عبدالعزيز المقالح مقالات وقصائد ذات محتوى سياسي، وكتب المقالح في زاويته في صحيفة «الثورة» شكوى مريرة من ذلك.
وأمس يشكو وزير الثقافة اليمني الأسبق الأستاذ/ خالد الرويشان، من نشر مقال باسمه يهاجم فيه الرئيس اليمني/ عبدربه منصور هادي، صاغته- حسب الرويشان- وروجت له، وسائل إعلام تدعم الانقلابيين في اليمن.
ومرة أرسل لي أحد الأصدقاء مقالاً مذيلاً باسمي، فيه مجموعة من المواعظ الدينية والسياسية التي شكرني عليها بشكل أحرجه، بعد أن شكرته على لطفه على إرسال مقال ليس لي.. ولكثرة ما ينشر من كذب، فإن البعض يجدها فرصة أحياناً للقدح في ما ينشر من أخبار لا يمكن القدح فيها، على اعتبار أن الكذب أصبح رائجاً، وبالتالي يكون من السهل هز ثقة القارئ في كل ما يطرح.
وإذا ما وسعنا الدائرة أكثر، فسوف نقرأ مقالات ومقولات لنلسون مانديلا، وأدولف هتلر، وكاتب أميركي شهير، وتقارير لجهاز استخباراتي غربي، دون تحديد اسمه. وسوف نقرأ: قالت «نيويورك تايمز»، وذكرت «واشنطن بوست»، ونشرت صحيفة «التايمز»، وكنت مرة مع أحد مؤيدي الحوثي في استوديو فاستدل على تقدم الحوثيين وخسائر خصومهم بـ"معلومات أوردتها صحيفة أسترالية"، حسب قوله. والأمثلة لا تعد، ولا تحصى.
أما ما يمكن أن يكون «ثالثة الأثافي» فهو أن تجري حواراً صحافياً مع رئيس، فيخرج من يقول لك إن الحوار مكذوب على الرئيس، وأنك قوّلت الرئيس ما لم يقله.. تصوروا أن حكاية «تقويل رئيس جمهورية ما لم يقله» انطلت على كثيرين، دون أن يضعوا اعتباراً لاستحالة أن يكون ذلك في حق الرئيس أو الصحيفة التي نشرت، إذا ما تصورنا أن الصحافي يمكن أن يقدم على حماقة كتلك. وقد حدث أن أجريت حواراً صحافياً مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الرياض، قال فيه ما لم يعجب بعض التوجهات السياسية في اليمن، فانبرى البعض يقول إن هادي لم يقل ذلك، وإنني قولته ما لم يقل. كنت اندهش وأنا أقرأ تلك الجرأة في الاتهام، دون أن يقال لي وللقراء ما هي الأشياء التي قولت فيها الرئيس ما لم يقله.المضحك أن موقعاً إخبارياً نشر تكذيباً لبعض ما جاء في الحوار، ونسب التكذيب إلى مصادر في رئاسة الجمهورية، دون أن يذكر ما تلك المصادر ودون أن يكتب اسم الصحافي الذي كتب الخبر.
تنتاب المرء أحياناً رغبات مختلفة إزاء مثل تلك المواقف: يقول لنفسه لا بد من الرد، ثم يتراجع ويقول لا تعط الموضوع أكبر من حجمه. الأمر الجدير بالإشارة هنا هو أن ما تسمى بـ»وسائل التواصل الاجتماعي»، لم يعد ينطبق عليها الوصف في تصوري. أصبحت «وسائل التقاطع الاجتماعي» لما ينشر عليها من أكاذيب وتلفيقات، تروج بسرعة في مجتمعات تتعلق بالإشاعات أكثر من تعلقها بالأمور الجادة والمعلومات الحقيقية.
وفي حين أن مهمة وسائل الإعلام بشكل عام، ووسائل التواصل كجزء من منظومة الإعلام، هي إيصال الحقيقة، فإنه يخيل للمرء أحياناً أن الحقيقة تضيع في الكم المهول من الأخبار والحكايات والمواقف المفبركة، التي تسجل أحياناً أكبر نسبة حضور، وأكبر معدلات قراءة.
الكذب وسيلة من وسائل المكايدات، وهو في المجالات السياسية والإعلامية بضاعة رائجة إلى حد كبير، لأن الأكذوبة أو الإشاعة غالباً ما تصمم لمخاطبة فئات اجتماعية تنطلي عليها الأكاذيب وتصدق الإشاعات، بل وتتعلق بها ويصعب في ما بعد إقناعها بأن ما تقرأ يندرج ضمن إطار التلفيق والتزوير.
وأحياناً يقع بعض الكتاب أو الصحافيين ضحية كذبة شيطانية قدمها لهم طرف ما لغرض في نفسه، قبل أن يكتشفوا أنهم تعرضوا لعملية تضليل متعمد لخدمة أجندة سياسية لم تكن في الحسبان.
وفي مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة التي تشهد حروباً واضطرابات وشحنا طائفيا واستقطابات وطنية وقومية، وموجات من العنف والإرهاب، في مثل تلك المعطيات يتهيأ الجمهور لتصديق معظم ما يقرأ، لا لأن ما يقرأ يحمل في ذاته قرائن صدقه، بل لأن نفسية جمهور القراء مهيأة لتقبل أي شي، في ظل الفوضى النفسية والروحية والثقافية والسياسية، التي ضربت التعايش السلمي والترابط الاجتماعي والسلام الروحي للناس في هذه المنطقة التي تعاني من علل كثيرة ليس أقلها انتشار هذا الكم الكبير من الكذب والتضليل، والاحتراب الطائفي، والفوضى الفكرية والاختلالات الروحية الكبيرة.