عدن المدينة المجروحة، و تلعق جراحها، جرحا تشفى بالعدالة، رغم الظروف والألم والمعانات والمعوقات والدمار والخراب، تحاول عدن أن تنهض، تحاول أن تبتسم وتزرع الأمل، وهم يدركون جيداً أن تعافي عدن وتطبيع الحياة فيها هو انتصار للقضية ولثورة والدولة الضامنة والمواطنة والديمقراطية،هم يدركون جيدا أن عدن مهيأة لتكن نواة لدولة العدل والحرية والمساواة، عدن هي قيم وأخلاق ومبادئ بدونها لن تكون عدن، عدن ترعب أعداء العدالة، منها ذاقوا الهزيمة ومنها سينتصر الحق، وستسقط كل المشاريع الصغيرة طائفية كانت أو مناطقية أو أيدلوجية، عدن تلفظ السلالة والتمايز والعنصرية، عدن كبحرها متجانسان لا تقبل العفن، وتغتسل كل حين لتتطهر من نجس سياستهم وسمومهم وفتنهم، من يعيشون فيها يعرفون متغيراتها، تفرض مدنيتها وثقافتها وتعود تلك عدن بسماتها، وأهم من يعتقد أنه استطاع أن يغير نمط الثقافة وحضرية السكان في عدن، في لحظة يكتشف أن محاولاته بآت بالفشل، لأنها تنفض عن كاهلها العفن وتعود تلك عدن التي عرفناها وعرفها العالم منذ زمن .
عدن تطبع ذاتها بجهود أبنائها، وما أكثرهم، وشهدت مهرجانات ومعارض وندوات وحوارات، رغم كل التفاصيل وكثرة المآسي لكنها بدأت تستقيم وتتخلص ببط وتدريجيا ممن يعكر صفو حياتها، تحاول أن تنهض، ولم يبق غير اليسير لكنه الأهم، أدوات العدالة كالقضاء والنيابة التي لازالت مكبلة وتعمل بحدود المطلوب وليس المفروض، من يقف خلف انطلاق عمل القضاء ليرسي العدل؟، ليعيد لعدن حياتها الآمنة، حينما نسمع بالبحث عن المجرمين والقتلة والخارجين عن القانون أصحاب السوابق، الهاربين من السجون وأحكام القضاء بحقهم ليلة الغزو العفاشي الحوثي البربري على عدن، ولا زالوا طلقاء يهددون السلم الاجتماعي وحياة غرمائهم والعامة، حينما نسمع عن تفعيل حركة القضاء والنظر بقضايا الناس العالقة لسنوات، لازال المظلومون في ظلمهم والمجرمون فارون من العدالة، ولازالت العدالة منقوصة.
والسجون مكتظة بشباب بتهم اشتباه، دون تحقيق عادل ومن جهة رسمية ومتخصصة، ودون النظر لقضاياهم أمام النيابة القضاء،وهذا الملف يشوبه الكثير، حيث يمكن أن تصبح هذه السجون معقل للاستقطاب والدعوة، ما لم يكن هناك برنامج لتنوير تلك العقول وإخراجها من ظلمتها، ما لم تكن الحياة في تلك السجون تليق بالبشر ليتحول السجن لإصلاحية، وتصنع منهم مهرة ومهنيين ورجال صالحون منتجون، أو العكس نزيدهم سوء وإساءة وإذا بهم يزدادون تعصب وتزمت نخرجهم وحوشا ضارية لتتحول عدن لغابة والنتيجة معروفة.
يبقى السؤال قائما، لماذا ثرنا وقاومنا؟ أليس لنحقق العدل على هذه الأرض الطيبة، وفي كل بقعة تصل إليها أيادينا، أن كنا دعاة عدل وحق، لن تطبع الحياة دون عدالة اجتماعية دون إنصاف لكل مظلوم ومعاقبة كل مدان، وإعادة الحقوق لأصحابها، انه مضمار العدل ليشعر المواطن أن التغيير هو السمة الأساسية للقادم والتحول للأفضل.
هل يعلم القائمون أن غياب أدوات الضبط والمحاسبة والعقاب ضاعف من المظالم، ترك فرصة سانحة للمجرمين يمارسون هويتهم بأريحية كاملة بل وبعضها تأخذ صفة رسمية وبأسماء مختلفة ومنها مقاومة، وغياب هذه الأدوات يخدم هولا ويهيئ لهم الفرص ليمارسوا ظلمهم وفسادهم كلصوص وقتله ومستبدين، ومستأجرين تحت الطلب من لوبي الفساد والإرهاب بأنواعهم، لازالت الانتهاكات في أعراض الناس وممتلكاتهم، لازال التصنيف والقذف هواية يمارسها البعض دون عقاب.
ننتظر من القائمين خطوات سريعة وجريئة لتطبيع الحياة، لتساعدون عدن على النهوض، لاعتباركم قوى نهضة وتعافي عدن أو قوى معيقة للحياة في هذه المدينة المسالمة التي لا تطلب منكم غير أن تكونوا جزئا من نسيجها ومصدر خير لها، لا أن تكون نسيج غريبا دخيلا غير متوافق مع ثقافة وسلوك عدن فيسبب لها الغثيان ويعكر مزاج أبنائها، ستلفظون كما لفظ الآخرون لنفس السبب على مر التاريخ.