البعض مصاب بفوبيا الآخر، لعشقه للأنا، بينما الآخر لا يعدو عن كونه صورة مغايرة للأنا، حيث الأنا متفرد بذاتي والنفس المستقلة، لا يمكن لها أن تكون فاعلة ذات قيمة دون الآخر، يشكلان معا تنوعاً جميلاً بجمال تعاونهما وتعايشهما وتكاملهما، الآخر عنصر أساسي في فهم وتشكيل الهوية، حيث يقوم الناس بتشكيل أدوارهم وقيمهم ومنهج حياتهم قياسا ومقارنة بالآخرين كجزء من منهجية التفاعل البيني والتنافس النوعي، كظاهرة صحية لنموا وتطور الأوطان .
كثيرا ما يثير موضوع الأنا والآخر أكثر من إشكالية، تجد تجلياتها في السياسة والاجتماع والثقافة، هذه الإشكالية تحدد ما إذا كنت جزءا من خير الأمة أو شرها كعنصر ايجابي فاعل أو سلبي مدمر، ويعتمد ذلك من موقفك من الأنا والآخر، هل على أساس الاحترام والتسامح بالقبول به: ويتجلى في: (الحب – الصداقة – الحوار – التسامح)... أم النبذ والإقصاء بالرفض به : ويتجلى في:( الكراهية – العداوة – التعصب – العنف)..
وهكذا بالنسبة للمكونات السياسية والفكرية والعقائدية، يشكلان مع الآخر قوس قزح جميل ورائع بألوانه المختلفة الزاهية معاً تشكل لوحة تسر الناظرين، وأخطر ما يهدد المجتمعات هو التوجس من الآخر والتعالي علية والازدراء منه واتهامه والتقليل من أهميته في الشراكة والحياة، و الهيمنة ومحاولة إخضاع الآخر، وأهنته، وتركيعه، أو اعتباره عضواً نشاز وغير هام ومجرد تكملة عدد .
يشكل الحوار بين الأفكار والأجيال والتوجهات بين المختلفين ضرورة وطنية هامة، تخضع للنزاهة والندية، رفضها خطيئة وطنية كبرى، ومن المؤسف تجد من يرفضها مبررات واهية، بل يتبجح برفضها، الحوار يؤدي لتوافق، يخلق نظام ويرسي قانون ودستور، يحتكم له الجميع، يدين المجرم وينصف المظلوم ويحقق نسبة مقبولة من العدل الاجتماعي، غيابه يسمح لمرضى النفوس والمنافقين وعشاق الدجل السياسي، لبث الإشاعات، ورمي التهم جزافاً، والكذب المعسول، والتزوير، والمناكفة، والمشاغبة، وخلق الفوضى التي تلبي قناعاتهم لفرض أجنداتهم.
متى نصل لمستوى من الوعي لندرك أن لا توجيه اتهام دون برهان قاطع، وأمام القانون والمؤسسات العقابية والمحاسبة أو القضاء المعنية بذلك .
يعتصر القلب ألماً، ويتقطع، ويبكي دماً، لكل قطرة دم تراق على ثرى الوطن، والبعض لازال رهين الزعامات و بعبعهم، أصنام يعبدونها أو يستخدمونها كفزاعة، جعل البعض من المخلوع والسيد والجنرال والشيخ، أسطورة معيقة لدولة النظام والقانون، ترك الوطن وهمه وقضيته المصيرية، وأحلام الناس، والدولة، والعدالة الاجتماعية،وتفرغ لينسج حكايات بعبع الخصم وأسطورة الصنم، ليعيق كل ذلك، ليحمي المستبد والطاغية، ويخلط الأوراق، ويبدد الأحلام، وفي الأخير شرخ القوى الوطنية، ووجد نفسه متحالفاً مع الطغيان، محمياً به، وهو نتاج، فوبيا الآخر، مرض وهم الخوف الغير منطقي.
الخوف من الآخر يفرض أمراً واقعاً يمثل وجهة نظر ورؤى وقناعات طرف ويلغي الآخر، يقيد حريته، لا يسمح له بالتعبير أو المشاركة،هنا الحديث عن إرادة الجماهير كذبة كبيرة، ولنا في الماضي عبر، كم حشد المستبد وفرض أمر واقع فيه يعلو صوته وقناعاته، وفي الآخر سقط مدوياً لأنه عمد على إلغاء الآخر وعنجهية الأنا.
ومن الطبيعي أن نبحث لصيغ مشتركة للتعايش والشراكة والاعتراف بالآخر وفتح نافذة حوار معه، في مختلف تجلياته الفردية والمجتمعية والثقافية، ينبغي أن يكفل لهما معاً حق الاستقلال والحفاظ على الهوية دون أن يسعى أي طرف إلى تذويب الآخر أو احتوائه، بات من الضروري جداً التعايش والقبول بالآخر والجلوس معاً في حوار ندي للوصول لصيغة مشتركة للعيش وفق نظام وقانون ودستور هو الحكم بين كل الشرائح بمختلف أفكارها وتوجهاتها السياسية، العنف أثبت فشله على مدى قرون، ولا حل للمجتمعات غير التعايش والعيش الكريم بحياة فيها الجميع سواسية أمام النظام والقانون ووطن يستوعب الجميع دون استثناء، لن يتم ذلك دون تجاوز فوبيا الآخر .