التنظيمات الإرهابية وبشكل عام باتت مسيرة في الأغلب من قبل أنظمة أمنية إستخباراتية داخلية وخارجية.
فسواء كانت هذه المسميات قاعدية أو بناتها المتخلقات منها كداعش وجفش وأنصار الشريعة وسواها، هناك يبقى جامع واحد لهذه التنظيمات المتطرفة وهو أنها صارت أدوات بيد أنظمة سياسية تقوم بتوظيفها وبشكل فج وعنيف وفي مواضع وبؤر مختلفة.
ويمكن تفسير ما يحدث في محافظة أبين أو البيضاء أو شبوة الآن، في هذا السياق الهادف إلى زعزعة الأوضاع في المناطق المسيطر عليها من المقاومة أو الجيش الوطني تحديداً.
أعتقد المسألة أنها لم تعد بخافية على المتابع المدرك للعمليات الإرهابية، فحين كانت السلطة الشرعية في صنعاء، ظلت العاصمة مسرحاً لهذه العمليات الموجهة إلى السلطات الجديدة، وبقصد إرباك المشهد وإفشال السلطة وإظهارها للمواطن العادي بمظهر العاجز الذي لم يستطع تطبيع الحياة اليومية.
وإذا ما نظرنا إلى العمليات الإرهابية ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ تلك الجماعات للسيطرة على محافظة أبين مسقط رأس الرئيس هادي، فإن الهدف واضح وجلي وهو إرباك الرئاسة وشغلها في مسائل أمنية داخلية تخفف من وطأة الضغط العسكري والسياسي والدبلوماسي.
كما وتلك العمليات غالباً ما تساوقت مع الحديث عن توقف المشاورات الدبلوماسية أو إحاطات المبعوث الدولي إسماعيل ولد شيخ، لمجلس الأمن، أو غيرها من الجهود الدبلوماسية الدولية لحل الأزمة اليمنية.
إذ أن الصورة الحاضرة في ذهن الدول الراعية هي أن المحافظات المحررة ودون غيرها من المحافظات اليمنية مهددة دوما بسيطرة الجماعات الإرهابية، ما يستوجب منها دعم الحل الدبلوماسي تجنبا لمآلات من هذا القبيل، خاصة في ظل نجاح الانقلابيين في تسويق أنفسهم دولياً كقوة معتدلة محاربة للتنظيمات الإرهابية، مدللة باقتصارها على المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطات الشرعية.
الحل من وجهة نظري في مدى قدرة السلطات الشرعية على بلورة مشروع الدولة الوطنية وذلك بخلق اصطفاف جمعي قوي ومحصن من أي اختراقات أو مثبطات معرقلة لمسيرة الدولة المنشودة حاضراً ومستقبلاً.
وهذا باعتقادي يمكن إنجازه في حال أن السلطات الشرعية انتقلت من حالة الانهماك في القضايا الثانوية المنهكة لها إلى حالة المواجهة الفاعلة والمؤثرة لتلك التحديات الماثلة الآن.
وعلى هذا الأساس يجب على السلطة الشرعية وتحديداً الرئاسة والحكومة، مغادرة مربع القضايا الثانوية التي هي من اختصاص السلطات المحلية في المحافظات أو الوزارات في حدها الأقصى، إلى مربع القضايا الكبرى الجوهرية والمصيرية.
فمعركة الإرهاب ينبغي النظر إليها بكونها ضمن سياق الحرب القائمة مع قوى الانقلاب، فدونما القضاء على قوى التمرد والانقلاب واستعادة البلاد إلى وضعها الطبيعي؛ ستظل هذه السلطات ومعها اليمنيون تخوض معارك عدة ومختلفة وفي كافة الأصعدة الأمنية والخدمية والاقتصادية والبنيوية.
فمحاربة الإرهاب والفوضى والتخريب والعبث والقائمة يجب النظر إليها جميعاً باعتبارها نتيجة طبيعية لحالة الإخفاق من جهة السلطات الشرعية.
فحين غابت الأولويات الوطنية وحضرت القضايا المحلية وعلى أهميتها للسكان؛ كان ولابد من أن تنعكس الحالة سلباً وعلى مختلف النواحي.
ومن تجليات هذا الإخفاق في تحديد الأولويات، أن أغلب القوى المناهضة للانقلاب ضاعت وتاهت في خضم معارك ثانوية طويلة ومتعددة الأوجه والمآرب، ما يستوجب من السلطات الشرعية إعادة بوصلة المسار إلى وجهته الصحيحة.
بحيث تتولى السلطات المركزية مهمتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية بينما تتحمل السلطات الأدنى المسائل الآخرى كالخدمات والمرتبات والإغاثة وسواها من القضايا.