الحرب غالباً ما تكون كلفتها باهظة وفاتورتها دوماً مدفوعة من حساب التنمية والغذاء والدواء والاستقرار. كما والحرب بمفهومها السياسي والواقعي وجه آخر للسياسة، فكلما أخفقت الجهود الدبلوماسية في التوصل لحلول سياسية وبأدوات سلمية، كان ذلك مقدمة لحضور القوة كوسيلة للحسم عسكرياً.
لسنا دعاة حرب، وإنما قوى الانقلاب والتمرد فرضت واقعا مأسوياً لا مناص لنا من رفضه وبكل الوسائل والطرق. الطبيعي هو ان السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي معنية بدرجة أساسية في استعادة كامل محافظات البلاد المسيطر عليها من الانقلابيين وبقوة السلاح.
منطق اعوج وكارثي، لكن الرئيس المخلوع وزعيم الجماعة الحوثية، وأتباعهما وأنصارهما، لا يفقهون منطقا ولا نظاما أو اتفاقا، فغير لغة القوة والعنف التي يفهمونها تماما، لا أحسبهم جميعا سيمثلون لشرعية دولية أو خطة أممية؛ فكيف إذا ما قلنا إن أولى مضامين خطة إسماعيل ولد شيخ، تسليم السلطة لرجل يضمرون له الشر والكره الشديد، فضلاً عن تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، وكذا المدن الواقعة تحت سيطرتهم.
قبل انقلاب 21 سبتمبر 2014م كانت الجماعة الحوثية، وبدعم عسكري وإعلامي من المخلوع صالح، حشدت أنصارها ومؤيديها بهدف إسقاط جرعة حكومة محمد باسندوة ومحاربة الفساد.
كذبة سمجة ووقحة سرعان ما انكشف أصحابها الذين يمكن القول إنهم نجحوا في تضليل الجماهير الرعاع واستخدامها كسلم عبور إلى سدة الحكم، مستفيدة طبعاً من انحياز كتائب وألوية عسكرية صيغت خلال ثلاثة عقود وفق منظور عجيب وغريب يتقاطع كلياً مع تركيبة وعقيدة جيوش أي دولة وطنية في العالم.
البعض تجده حريصاً أكثر من اللازم، يمسك العصا من الوسط، لا يفرق بين قوتين. فقوة غاشمة همجية انقلبت على سلطة انتقالية توافقت عليها معظم القوى السياسية والوطنية.
كما وانقلبت على كل الأشياء الجميلة الطموحة التي هي نتاج ثورة شعبية عارمة، ومقررات مؤتمر حوار وطني، شاركت فيه أغلب القوى بما فيها أتباع المخلوع والحوثي، وحظي بدعم إقليمي ودولي لا نظير له في التاريخ الحديث، ومن ثم- وبعد ما رافق السنوات الماضية من أزمات ومخاضات وآلام، يراد لهذه البلاد وشعبها العودة للمربع الأول الذي ثاروا عليه زمناً طويلاً.
نعم.. شتان ما بين الطرفين المتحاربين، فالسلطة الشرعية المسنودة بقوات التحالف، لا تمثل هنا جهة أو طائفة او عائلة أو قبيلة وإنما هي تجسد أحلام وآمال وتطلعات شعب ووطن بأسره.
الحرب المستعرة منذ عامين هدفها استعادة بلد إلى وجهته ومساره الصحيح الذي توقف بفعل حماقة وعنجهية القوى الانقلابية الرافضة لكل المواثيق والعهود المؤسسة لدولة قوية عمادها العدل والمساواة والنظام والشراكة الفعلية في السلطة والقوة والثروة والمواطنة وغيرها من الأسس والمعايير المشكلة للدولة الحديثة.
فمن حقنا كيمنيين القلق والخوف من أي اتفاق أو تسوية سياسية في ظل هكذا ثنائية مختلة وتتصادم مع مضامين ثورية وطنية عصرية.
فيكفي القول هنا إن المسألة تعدت المطالبة بمنفذ بحري لإقليم أزال أو إعادة النظر في الأقاليم الستة، فالحال أننا إزاء قوى لم تنقلب على السلطة الانتقالية فحسب، بل وعلى الدولة الفيدرالية الاتحادية التي يعتبرها اليمنيون آخر الممكنات السياسية لتجاوز الماضي والحاضر الزاخرين بكم هائل من الصراعات والحروب المنهكة لهم ولمقدراتهم وفرصهم في اللحاق بركب التحضر والتطور.
تصوروا ماهية التسوية مع فئة تقايضك على وطنك وحقك في الانتماء إلى دولة لائقة بك وبوجودك؟! الميليشيات لا تفهم غير منطق شاعرنا اللحجي الراحل مبروك نصيب القائل ذات حقبة كفاحية، فمن دخل بالغصب سيخرج بالصميل.
وأجزم أن الحديث عن خطة سياسية ما هي إلا مضيعة للوقت وتبديداً للجهد، وفي مسار خاطئ إذا ما تكلل بتسوية من أي نوع، فإنه لا يفضي لحلول مرضية للأزمة اليمنية، بقدر ما يكون فاتحة لأزمات جديدة أكبر وأعمق من سابقاتها.