وجد المتقاعد المسن/ عبدالله عثمان القباطي، جثة هامدة أمام بوابة بريد خور مكسر، لم تسعفه الظروف ليستلم مرتبة ويتناول أقراص علاج الضغط أو السكر أو أمراض الشيخوخة لتساعده على الاستمرار في الحياة فترة زمنية ممكنة، تلك صورة لمعانات التقطها الإعلام ونشرت، وهناك آلاف من الصورة الغير معلومة، صور غير مرئية، تموت الناس في بيوتها بهدوء، وترسل للمساجد وهناك أصحاب الخير يتكفلون بعمليات الدفن، وينتظر الآخرون بهدوء مصيرهم، والبقية مستريحون تحت غمامة القضاء والقدر التي تحجب عنهم شمس المسؤولية وعناء الاجتهاد، فالاختيار يحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط سليم ومسؤولية كاملة، وهذا الأمر ليس سهلاً على النفس البشرية، التفكير الأناني يضع النفس في أنانية الاختيار والمصالح، يبعد كثيرا عن المسئولية وهم الناس، يموتون بسبب اختياراته ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله قدره، وافته المنية الله يرحمه، كل ما هو مكتوب على الجبين تراه العين هذا قدرنا، فقدرنا في هذه الحرب، التي رفعت من شأن البعض، ليكونوا قادة، ويستولوا على مساكن الآخرين، ومنهم من سطا على قطعة أرض دون وجه حق وبناء عليها مسكنة بقوة السلاح، من كان ينتقد أو يعترض كانت البندقية توجه لصدره، والقضاء والقدر جعل هذا الشخص مسئولا اليوم عن شئون الناس وباسم الدولة التي رفض الانصياع لها وقتها، محروس بقوة من الشباب ويسير بموكب من الحراسات وبسرعة تعكر صفو المارة بل قد تسبب ضحايا قدرهم أن يكونوا في طريق سيره، هل هو القضاء والقدر الذي يرفع بشرا ويحط من بشر، لأسباب بشرية وعنجهية وتصلب وطيش عقول، وجهل وتخلف وتسلط وتسيد .
لا والله إنها أسباب بشرية تسعى لتكون كذلك والله يمهل ولا يهمل، كم من مات مثل هذا المتقاعد أهمالا وتعسفا وقهرا وظلما في بيته بهدوء دون ضجة إعلامية، وكم من مات بسبب الحرب ونتائجها والقصف وزراعة الألغام والتعذيب وتفجير المساكن والرصاص الطائش والاشتباه، وفقدان وسائل العيش من غذاء ودواء، إنها اختياراتنا كبشر، أن نكون في مثل هذه المواقف جنود تحت الطلب للدفاع عن الطائفة أو السلالة أو العصابة، ليكونوا متسيدين على القوم لإذلال البشر وأهانتهم للخضوع والخنوع للأمر الواقع، كل هذه الاختيارات لها تداعياتها واقع اليوم من عدوان وظلم وتعسف وقهر وموت ودمار، لأن فينا بشر اختاروا أن يكونوا طغاة مستبدين ظالمين، وكله بثوابه باسم الله وباسم الدين وباسم الوطن، وكل ذلك منهم براء.
وللعلم إنهم لصوص وقتلة، صندوق الضمان الاجتماعي اليوم مهدد بالإفلاس، نهبوا وسطوا على أمواله، أأتمنهم الناس في حياتهم ونهبوا معيشتهم، وصار اليوم جيشا من المتقاعدين وأسرهم مهددين بالجوع والحاجة ثم الموت، هل هذا قضاء وقدر أم هو اختيارا من البشر، وسكوت وتواطؤ من أصحاب الحق،السكوت عن الحق والصمت خوفا ورعبا من الموت جعلنا نموت ببطء، لابد من مراجعة دقيقة للتاريخ المعاصر وتقييم موضوعي لواقع الحال، لتتضح الصورة وتعرف حقيقة النخب من هم مع تطلعاتك وآمالك، ومن هم المنافقون الذين يتسلقون عليك حتى يصلون فينسونك، ونفوسهم في السلطة والثروة والجاه .
عن أي لجنة تحقيق تراهنون، فكم لجان شكلت لكم قضية ماتت وأغلق ملفها، المسئول عن ما حدث ويحدث هي السلطة والمسئولو المباشرون، هم الإهمال واللامبالاة هم الفساد، هم من يغيب القانون والنظام، هم من غيب القضاء وأدوات القبض والعقاب والحساب في تطبيق القوانين هم ذاتهم، و سيفلت الجاني من العقاب، إنه الواقع المخزي والبائس، عار أصابنا ونحن له منحنيون، غير مؤثرين لأننا موزعون ومنقسمون معهم مصطفين، إنها اختياراتنا ومواقفنا والقدر الذي صنعناه بأنفسنا