تطرق (استيفن ر كوفي) في كتابة العادة الثامنة لأهم هدية وهبها الله لنا بعد الحياة هي حرية الاختيار، كوننا خلقنا أحراراً في اختيار ما نشاء، هذه القدرة والحرية تقف على طرف نقيض مع منظومة التفكير التي تعتمد على لعب دور الضحية وثقافة اللوم المنتشرة كثيراً في مجتمعاتنا اليوم .
لماذا إذاً نحرم بعضنا كبشر من هذه الهدية؟، ويريد البعض أن يتسيد ويهيمن ويطغي على الآخرين، ويفرض رؤاه وقناعاته، ليجعلهم تابعين مستسلمين لواقع يفرضه عليهم، كل القوانين الوضعية والشرائع السماوية والأعراف، تقول إن الإنسان حر في اختياره، تنتهي حريته عندما تمس حرية الآخرين.
المؤسف جدا و المؤلم ما تراه من رداءة الواقع المشبع بلغة الكراهية وعفن العلاقات، بالتسابق على فرض الرؤى والأفكار والقناعات، بالتنافس في شيطنة واتهام وتعزير الآخر، البعض لم يعد يتقبل أي رأي يطرح يناقض قناعاته، بل يعتبره هجوما واستهدافا، ويرد بغضب وعصبية يخرج عن إطاره ليفقد اللياقة في الحوار والرقي في التعامل، لنكتشف حقيقة التصدع الذي خلفه نظام أفسدنا اجتماعياً ووطنياً وأخلاقياً، وشرخنا لسلالات وأعراق وكيانات صغيرة، حقن فينا الأحقاد والضغائن، أصابنا بدائه فإذا بنا بسقم، مع بعض الفروق في الوعي والثقافة والرقي فينا المريض والمحصن ممن يدرك أن بالكلمة والرؤية وحوار الأفكار المتنوعة نصنع مستقبلاً يتفوق فيه الحق والعدل والإنصاف والمواطنة المتساوية، نصل فيه للغة راقية مشتركة لنحدد علاقتنا ببعض بمبدأ "لا ضرر ولا ضرار" وبما يخدم قضايانا والوطن والأمة .
من الضروري أن نكون مختلفين، أو أن نكون متنوعين، لكن من غير الضروري أن نكون أعداء، ومن غير الضروري أن نعنف بعضنا، أو حتى نخرج ألفاظاً تسيء لبعض، لاحظ رداءة واقع اليوم، والخطاب المشحون بالكراهية والتباهي بالأصل والفصل، والاصطفاف المناطقي والطائفي،( تابع الكليشات المكررة في التعليقات عن المقالات وعفن الكراهية الباعث منها) ونشر مثل هكذا لغة تسمم المجتمع وتعفن النفوس تخدم من؟ وما الهدف من نشرها؟ .
نجح الزعيم في التدمير والقتل والتهجير، في تصدع القوى الوطنية والإنسانية، ولم يكن يمثل منطقة أو فئة، لأنه مارس هويته بالكل، رغم أنه عمد إلى الإيحاء للمتعصبين طائفياً ومناطقياً، لتخدمه اصطفافاً، لكن المتمعن بحيادية ورواق و وعي سيعرف أنهم مجموعة عصابة تجمعهم المصالح وعفن النفس وقذارة الأفكار والتوجهات، وأنهم منتشرون على كل بقاع الأرض وفيهم من الجنوب والشمال والشرق والغرب .
ومشكلة البعض في التعميم ولا يريد أن يفهم، لديه صورة ذهنية يبني عليها اختياراته ومواقفه من الآخرين، لديه قناعات يجبأن يفرضها على غيره، هو صاحب القضية و الوصي عليها والبقية خونة أو متآمرون، هكذا يرى ولا يمكن أن يرى غير ذلك، متباهياً بحلم جماهير هو لا يمثلها سلوكاً وثقافة، يصنع واقعا مقيدا للحرية ورفض الرأي الآخر وإرادة الناس، لأنه لا يرى غيره على الأرض وإرادته التي يجب أن تسود، تجاهل أن الجماهير تعي جيداً مصالحها، والإرادة تتضح بوضوح في استفتاء حر دون منغصات و واقع صحي يسمح للجميع بالتعبير عن رؤاهم ومواقفهم بحرية ونزاهة .
قد نتفق على الهدف العام، ونختلف على التفاصيل، وهنا يكمن الشيطان، ولهذا نرى من يخدم قضيتنا ومن يعكر صفوها .
المتعصب والواهم يرفض التواصل مع الأخر خوفاً من فهمه، لا يسمحون لأبنائهم وأفراد فرقهم بالتواصل أو الانخراط بالجماعات الأخرى تحت ذرائع مختلفة، ولكن غايتهم من ذلك عدم فهم الآخر على حقيقته. يعبر ضمناً على الاعتراف بضعف الذات وقوة الآخر في قيمته وعقيدته، ويدركون أن فهم الآخر هو تحطيم لهويتهم الواهنة، الهشة.
وفي الأخير تكتشف أن هناك أصواتاً مرتفعة جوفاء، تعكر صفو التعايش وقبول الآخر والاصطفاف الوطني، وطالما أن هذا الصوت هو المرتفع فلا أمل في الوصول إلى الحق ولا الحقيقة.