" كلما ألقى رجل نظرة متشوقة إلى منصب، يبدأ شيء من العفن بالتسلل إلى سلوكه "مقولة أطلقها الرئيس الأميركي" توماس جيفرسون "نهاية القرن الثامن عشر، وأجدها اليوم مجسدة لحال الكثير ممن أغرتهم المناصب وسعوا لها وبكل الطرق الملتوية، وإذا بهم وعند أول ممارسة ينفضون ما بقي للدولة من احترام وهيبة ومصداقية وكبرياء.
لا أقول هنا إنهم يماثلون الرئيس المخلوع، الذي يشبه جنرالاً وقنصلا رومانيا اسمه "لوكولس" وعاش قبل الميلاد وكانت هوايته إنفاق ثروته الطائلة في العربدة والتهتك الجماعي الماجن وسواها من الأفعال المشينة الفاضحة التي أخذ يبدد ماله عليها وببذخ خرافي.
وإنما على ﺍﻻﻗﻞ هم يشبهون المخلوع في صعودهم الصاروخي، فمن قاع سحيق في سلم الوظيفة العامة، إلى القمة، فلو أن ليلة القدر تجلت بهيبتها وجلالها على هؤلاء لما تمنوا بلوغ الوزارة والسفارة أو المناصب الرفيعة الممنوحة لهم وبطرق شيطانية فاسدة .
فالرئيس المخلوع، سلك ذات المنحى العفن الذي تسلل منه أدعياء الوطنية والنزاهة واحترام النظام.
الفارق بين الاثنين، هو أن المخلوع وأقاربه وأتباعه، اغتصبوا الدولة وسلطانها، فأحالوها خلال ثلاثة عقود مجرد إقطاعية مملوكة لهم ودون سواهم من فئات المجتمع المستعبدين.
فيما دعاة العهد الثوري والكفاحي، أرادوها مسخاً أو قولوا هجيناً غريباً، بحيث تصير الدولة وسلطانها مطية لكل متسلق وراكب عابر.
طبعا، لا أقصد، أولئك المستحقين لما هو أكبر وأهم من درجة وزير أو سفير أو محافظ أو وكيل أو قائد أو رئيس مؤسسة أو مصلحة، فهؤلاء وإن وجدوا فهم قلة قليلة ولا يكاد المرء يعثر عليهم في العهد المفترض به التجديد والتغيير الإيجابي الفعلي الملموس في الواقع.
إﻧﻤﺎ أقصد في تناولتي هذه، قيادات انتهازية معروفة بوصوليتها وتبجحها ونفاقها وحتى غايتها الفاسدة، بل والأدهى أنك ترى أسماء بلا كفاءة أو سيرة نزيهة، أو سمعة جيدة، وقد تبوأت مراكز مرموقة ورفيعة ودونما اعتبار قانوني أو نظامي أو أخلاقي.
نعم، شغل الوظائف العليا أعدها حقاً أصيلاً ولكل مواطن تتوافر فيه شروط حددها قانون الخدمة أو استدعتها الضرورة السياسية، ومع هذا وذاك ليس كل من حمل سلاح يصلح أن يكون قائداً لمعركة يستلزمها الخبرة والقدرة والشجاعة!.
والحال ينطبق على كثير من الوظائف المدنية والحساسة - أيضا - والتي باتت للأسف مطية للفاسدين والمجرمين والمتملقين والجهلة والأغبياء والمنافقين والكذابين الذين يتصدرون الآن المشهد وبكل وقاحة واستفزاز.
فمؤخراً قدر لي حضور عدد من الفعاليات الرسمية والأهلية، وفي كل مرة التقي بها بمسؤول يمثل السلطة الشرعية، أجدني لاعناً شاتماً سلطة بهذا القبح والدمامة.
كما ولا أخفيكم بصدمتي ودهشتي معاً، فالعهد اللعين يبدو أنه مصمم على إعادة إنتاج ذاته وأدواته وبشكل فج وفاضح وعفن.