الانقلاب دائماً ينتج واقعاً غير طبيعي، مولوداً مشوهاً، ومن الطبيعي في مثل هكذا واقع أن تجد القتلة والمجرمين يصرخون في وجه الحق، يتحدثون باسم الشعب والوطن بمعاني الحق وهم على باطل، ويتحدون وهم في جحورهم مختبئين، في ظل واقع كهذا لا تستغرب أن يحاكم الشرفاء والأحرار في محاكم الاستبداد والطغيان، واقع مشوه بأن تجد الناهبين يتمتعون بما نهبوه، وأصحاب الحق جوعى محرومين من أبسط سبل العيش الكريم والحياة الطبيعية، ومن الطبيعي أن تجد للباطل والاستبداد والطغيان حشداً من الجياع والمحرومين والمضطهدين ممن تغريهم فتات ما يرمونه لهم ليسد رمق أفواه أطفالهم الجياع .
في ظل واقع يفرض بالعنف، يمكن فيه للمستبد أن يحشد مليوناً أو مليونين أو حتى ثلاثة ملايين من ثلاثين مليوناً، لكنه يعلم أن ذلك لا يمثل إرادة الجماهير، إرادة الجماهير تتضح في وضع سوي و واقع صحي فيه حرية ومساواة وعدل وأدواته استفتاء وانتخابات ونزاهة وشرف وأخلاق، وكل تلك القيم تسقط في واقع انقلابي مفروض بالعنف وتهديد السلاح، واقع لا يقبل الآخر ولا الصوت المغاير والمعارض في شرعه متهم وخائن وعميل، واقع مريض شوفيني يحرض لقتل الآخر، ولا صوت يعلو فوق صوته أو الموت .
العاصفة هي نتيجة طبيعية لاضطراب، والزوابع الغير طبيعية تفرض عاصفة أنه قانون الكون، وبالمثل في السياسة، العنف والعنجهية وفرض أمر واقع عنوه أنتجت زوابع واضطرابات، ولكل فعل غير طبيعي رد فعل طبيعي، فكانت العاصفة رد فعل طبيعي لتلك الزوابع، لإنقاذ الوضع الطبيعي الذي كان قائماً ويسيراً نحو التغيير والتحول المنشود، رد فعل طبيعي لحماية الذات والسلم الاجتماعي وأمن المنطقة، وحماية المنافذ، وتجنب انتشار الفوضى وتهديد اقتصاد وتجارة العالم في منفذ عالمي هام .
لا يرضى لوطنه الدمار والخرب والقتل والاستباحة، غير من يريد أن يفرض واقع يخدمه، وذلك هو الانقلاب، فكل ما حدث ويحدث هو نتيجة متوقعة لما أقدم عليه المستبدون لفرض انقلابهم، لما أقدم عليه الطائفيون لفرض أفكارهم ورؤاهم ومشروعهم، لما أقدم عليه الماضي لرفض التغيير والتحول المنشود الذي يلبي طموحات وآمال العامة من الجماهير الغفيرة .
الصورة واضحة لا تحتاج لميكروسكوب، زعيم تزعم واستبد وطغى، نهب وسلب واستباح، وفي الأخير أراد التوريث، رفضته الجماهير وخلعته، وهو اليوم يفرض كيانه العفن بالقوة والعنف، واستخدم الطائفة والسيد الذي يريد استعادة حكم أجداده، موهوم أن الله اصطفاه سيداً على القوم، وجميعهم يستثمرون الطائفة والدين والوطنية كرداء للوصول لمبتغاهم، فزجوا بالوطن ومن فيه لحرب عبثية مارسوا فيها هويتهم في القتل وانتهاك الحرمات وعطشهم للدماء، واليوم يستثمرون نتائج أعمالهم لنفس السبب بقائهم مستبدين وناهبين وسادة متسيدين، واقع مشوه لابد من تصحيح المسار، وانتزاع التشوهات من جذورها لينعم الناس بالأمن والأمان والحياة الكريمة والنهضة في مستقبل ينشده الشعب الأبي من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب بكل طوائفه وأفكاره وتوجهاته ومناطقه وقبائله، شعب صاحب إرادة لا فيه سيد ولا زعيم، فيه شرفاء أحرار مناضلون والله يمهل ولا يهمل.. سينتصر الحق ويزهق الباطل .