الأزمات تتفاقس وتتوالد كالبعوض الناقل للأمراض السارية " ملاريا وحمى ضنك ووادي متصدع" وسواها من الأمراض الفتاكة الناتجة عن بيئة موبوءة غير نظيفة وغير مؤهلة لأن يعيش الإنسان فيها بسلام وأمان وعافية .
مناخات منهكة قاتلة سببها قيادات أدمنت الصراعات العنيفة وإشاعة منطق القوة وجبروت السلاح وتسويق الفرية والضغينة، ما زاد من وطأة عذابات اليمنيين الباحثين عن لقمة عيش أو مرتب زهيد أو وصفة علاج لمرض خبيث مزمن .
نعم، فكلما قلنا أزمة وانجلت، عدنا إلى ذات الأزمات السابقة، وكأنك يابو زيد ما عشت أزمة خانقة في المشتقات أو المرتبات أو إنقطاعات الكهرباء والماء أو عمليات الإرهاب أو تأخر الحسم في جبهات القتال أو.. أو.. من الأزمات الحياتية المتتالية المتناسلة وبشكل عجيب غريب ومخيف أيضا .
أزمات بينها ما هي ناجمة عن أخطاء فظيعة مرتكبة من السلطات الشرعية وحلفائها الميامين، ومنها ما هي نتاج سنوات من القهر والتسلط والفساد الذي رزح لوطأته معظم الناس في المحافظات المحررة، ومنها ما هي بسبب تدخلات الأشقاء الداعمين لهذا الطرف أو ذاك .
حلفاء جمعتهم قوى الانقلاب والتمرد في كيان تحالفي عسكري، وفرقتهم غايات وأهداف سياسية متعددة طرأت بارزة للعيان بعيد دحر ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ وتطهير المحافظات المحررة من القوى الانقلابية .
أزمات يمكن تفسيرها باعتبارها نتيجة طبيعية لتعدد الولاءات، فلدينا سلطات متعددة بداخل السلطة الواحدة .
ولدينا جماعات ضغط مالية وقبلية وجهوية وحزبية، ولديها ملفاتها الخاصة، ولديها هواجسها وحساباتها وترتيباتها ونفوذها في السلطة الشرعية .
ولدينا كتائب وألوية عسكرية بوجوه وقيادات وغايات وعقائد مختلفة وفي كيان جيش وطني يفترض أن عقيدته وولائه وغايته واحدة ووحيدة .
كل ذلك يحدث وفي الوقت الذي لا نمل الحديث عن رفد ألوية الجيش الوطني وقوات الشرطة والحماية الرئاسية بعشرات الآلاف من شباب المقاومة الجنوبية والشعبية، الذين يزمع أن يكونون قوة نظامية مؤسسية في قابل الأيام .
محافظات الجنوب تحررت من قوى الانقلاب والهيمنة والفساد والنهب، ومع قيمة ما تحقق لا تشيء الممارسات الحاصلة بثمة تحرر من ثقافة الفيد والفساد والعبث والاستئثار .
فهذا الوزير الميسري يؤكد بوجود أكثر من عشرة ألف حالة مسجلة في أكثر من معسكر ولم تتورع عن استلام مرتبات لا تستحقها .
وبكلمات موجزة ومفيدة، هذه الأزمات سببها السلطات المتعددة المتنافرة بداخل السلطة الشرعية التي يفترض أنها واحدة وهدفها واضح وجلي، وأفعالها تتساوق مع توجهها وهدفها .
فبرغم ما أتيح لها من دعم وإسناد داخلي وإقليمي ودولي، إلا أنها وفي كل امتحان وأزمة تخسر المزيد من السلطة ومن الموالين والمحاربين .
فالسلطة الشرعية للأسف غفلت حقيقة أن السلطة في ابسط تعريف لها تعني امتلاك السيطرة والقرار والنفوذ والقدرة على التأثير في الآخرين .
وهذه جميعها للأسف تاهت وفقدت في خضم أزمات مجتمعية لم تعثر على سلطة واحدة وقوية بمقدورها السيطرة على زمام المشكلات والأزمات وأيا كان نوعها، واتخاذ القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب ومهما كلفها ذلك من ثمن .