الكاتبة الأميركية، جيريس هالسيل، لها كتاب شهير عنونته بـ"النبؤة السياسية" وهو عبارة عن اعترافات مهمة كاشفة لدور المحافظين اليمينيين الأميركيين، أو ما تطلق عليهم بـ"الصهيونية المسيحية" وهم أتباع الطائفة التدبيرية المهيمنة على القرار الأميركي والمتشددة بدعمها لإسرائيل، بناء على اعتقادات إيمانية متطرفة لعودة المسيح، وهذه العودة مشروطة بقيام دولة صهيون ليس في فلسطين فحسب، وإنما تمتد حدود تلك الدولة إلى الفرات شرقا والنيل غربا.
الكاتبة هالسيل، بالإضافة إلى كونها من عائلة عريقة محافظة تنتمي إلى ذات المذهب البروتستانتي التدبيري؛ اشتغلت وقتا في البيت الأبيض كصحافية في عهد الرئيس الأسبق ليندل جونسون والذي تولى الحكم عقب اغتيال جون كينيدي عام ٦٣م وبقي فيه بعيد انتخابه إلى حين تولية ريتشارد نيكسون في يناير ٦٩م.
وهذه الخلفية تعطي الكتاب الصادر في نهاية الثمانينات أهمية ومصداقية تستوجب من العرب والمسلمين عموما التعاطي مع كل ما أوردته من معلومات مهمة وخطرة.
نعم، فلقد قرأت كثير من المعلومات عن تغلغل وتأثير المسيحية اليهودية في صناعة القرار والمال والإعلام وحتى سينما هوليود، لكنني مع ذلك أعود وأكد بضرورة أن يطلع العرب والمسلمين بدورهم إزاء ما يحدث في أميركا أو سواها من الدول الغربية تحديدا، فمثلما تبدلت قناعة الكاتبة وبمجرد زيارة أولى إلى فلسطين وبمجرد رؤيتها لواقع آخر مختلف هناك؛ علينا أيضا السعي لتبديل كثير من الاعتقادات الخاطئة الراسبة في أذهان شريحة كبيرة في طائفة متطرفة تعدادها اليوم ربما وصل لمائة مليون أميركي.
أطلت عليكم، وأترككم الآن مع مقتطفات مختارة من كتاب النبؤة السياسية:" إن الإيمان بعودة المسيح، وبأن هذه العودة مشروطة بقيام دولة صهيون، وبالتالي بتجميع اليهود في ارض فلسطين، لعب في الماضي، ويلعب اليوم، دورا أساسيا في صناعة قرار قيام إسرائيل وتهجير اليهود إليها، ومن ثم دعمها ومساعدتها".
" كذلك، فان الإيمان بان اليهود هم شعب الله المختار، لعب في الماضي ويلعب اليوم، دورا أساسيا في إعفائهم من القوانين والمواثيق الدولية، ذلك لأن منطق الصهيونية اليهودية، والصهيونية المسيحية معا يقول، إن شريعة الله هي التي يجب أن تطبق على شعب الله، وإن شريعة الله تقول بمنح اليهود الأرض المقدسة في عهد مقطوع لإبراهيم ولذريته حتى قيام الساعة".
"وبالتالي، فانه حيث تتعارض القوانين الإنسانية الوضعية مع شريعة الله، فان شريعة الله وحدها هي التي يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين".
"معظم المدارس الإنجيلية في أميركا تدرس النظام الديني ونظرية هرمجدون.. مدارس مثل معهد مودى في شيكاغو وكلية فيلادلفيا الإنجيلية، والمعهد الإنجيلي في لوس انجلوس وحوالي ٢٠٠ معهد آخر تخرج طلابا مؤمنين بمبادئ "سكوفيلد " ويؤمنون بالخلاص وبنار هرمجدون النووية".
"أتباع الطائفة التدبيرية يؤمنون وهو أن الله لا ينظر إلى جميع أبنائه بطريقة واحدة.. وان الله ينظر إلينا على أننا منقسمون إلى فئتين: اليهود والعامة "جنتيل" إن لله خطة واحدة هي خطة أرضية؟ من اجل اليهود، وان لله خطة ثانية، خطة سماوية للمسيحيين المخلصين".
"أما بقية شعوب الأرض من المسلمين والبوذيين وغيرهم من أصحاب الاعتقادات وكذلك المسيحيين غير المخلصين، فإنها لا تهمهم".
"لذا هم يعتقدون بان الكرة الأرضية يجب أن تدمر، لان ذلك مشيئة الرب ولا نستطيع أن نعمل شيئا، فالسلام من اجلنا ليس في كتاب الله".
"لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح، إن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هو هرطقة.. إنه ضد كلمة الله، إنه ضد المسيح".
"جيرى فولويل المسيحي الصهيوني حث اليهود على الذهاب إلى ابعد من فلسطين، وان يطالبوا بكل الأراضي العربية التي تمتد من نهر الفرات شرقا حتى النيل غربا".
المؤرخ البريطاني توينبي وصف الصهيونية بأنها "إله زائف "إنها" ديانة وثنية".. أما الكاتب مارك بروزونسكي الاختصاصي بالكمبيوتر من واشنطن فقد وصف السياسة الصهيونية بالحلم الملطخ وأعطى لها تعريفا "حركة سياسية توسعية استعمارية، أدت إلى خلق إسرائيل".
"في عام ١٩١٨م الفلسطينيون يشكلون ٩٠ ٪ من السكان وكانوا يملكون ٩٢٪ من الأرض.. أما اليهود فكانوا يملكون ٨٪ من الأرض؟ وفي عام ١٩٤٧م كان الفلسطينيون يملكون ٩٣،٩٦ ٪ من الأرض فيما اليهود يملكون فقط ٦،٠٤٪ وفي ذلك العام صوتت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين بحيث يحصل اليهود على النصف والنصف الآخر للفلسطينيين".
"مايك ايفنز يهودي تنصر من اجل مساعدة شعبه.. ولكن هذا لا يعني أنه يذهب إلى إسرائيل ويحاول تنصير اليهود".
مما قاله "إن الله يريد من الأميركيين نقل سفارتهم من تل ابيب إلى القدس، لأن القدس هي عاصمة داؤود.. ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود من أن يكون لهم حق اختيار عاصمتهم".
وأضاف "إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية يهودية، فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا.. إن الله سيبارك الذين يباركون إسرائيل وسيلعن لاعنيها".
"لم يكن حلم هرتزل روحانيا.. كان جغرافيا؟. كان حلما بالأرض والقوة والمناطق.. وعلى ذلك، فان السياسة الصهيونية ضللت الكثير من اليهود" .
اكتفي بما سبق من مقتطفات تثير للحنق والدم معا، فرئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو، قال ذات حقبة وحين كان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة بان "المسيحيون ساعدوا على تحول الأسطورة الجميلة إلى دولة يهودية".
وبعد كل هذا، اعتقد أن إصرار الكونغرس الأميركي على نقل سفارة البيت الأبيض إلى القدس، نابع من هذا الاعتقاد الخاطئ المنحرف الذي بات مستحكما في القرار الأميركي.
والخلاصة هي أن هناك ما يحدث في الضفة الغربية من استيطان ومن محاولات لتهويد القدس، بل ولكامل فلسطين، تقف خلف ذلك ملايين الدولارات الأميركية المرسلة وبشكل يكاد يومي وبوتيرة لا تتوقف منذ قيام إسرائيل عام ١٩٤٨م.
لن يتوقف الاستيطان، ولن تتوقف القوة العسكرية، ما بقت هناك في أميركا مؤسسات وجمعيات وهيئات وحكومات تضخ مليارات الدولارات إلى إسرائيل ومن اجل تحقيق نبؤة سياسية لا مكان لها في الواقع او العقل.
نعم، أثبتت العقود الماضية بهوس رجال دين أميركيين، نجحوا في تضليل ملايين الأميركيين، بكون فلسطين أرضاً بلا شعب، وبان الله يستلزمه مساعدة منهم، وكذا بتصوير المسيح وكأنه جنرالا عسكريا أميركيا في فيلم هوليودي.
وهذه اكبر إساءة موجهة لنبي الله عيسى، فمثل هذا الاعتقاد يتنافى كليا مع شريعة العدل والحق والحياة.
كما ويتصادم هذا الاعتقاد مع مسيحية الطوائف الأخرى الكاثوليكية والأرثوذكسية وأيضاً حتى الإنجيلية المشيخية، بل ومع اليهودية الخالصة غير مؤمنة بالصهيونية، فضلا عن مذاهب وفرق ونحل الإسلام التي تؤمن بعودة المسيح، ولكن ليس على الطريقة الأميركية، القائلة بان عودته من اجل الفناء والقتل والدمار لكامل البشر على الأرض.