يا صديقي.. لنفترض أن لديك مشكلة عائلية وفي بيتك ومع أهلك؛ فما الداعي لتدخل جيرانك أو جلب الآخرين الذين تعرفهم أو لا تعرفهم؟ .
هي كذلك مشكلة مجتمعاتنا العربية مع أنظمتها السياسية المستبدة، فالخلل كامن في أنظمة عسكرية قبلية طائفية فاسدة آثرت الهيمنة على رقاب شعوبها وموارد أوطانها، ودونما وجه حق او دستور او مشروعية .
وفضلا عن هيمنة هذه الأنظمة العائلية الفاسدة، عجزت السلطات عن معالجة مشكلاتها الداخلية بشيء من الفطنة والمعرفة بحاجة المجتمعات للتغيير، ما استدعى بتدخل الجار والغريب وحتى عابر سبيل ..
هذه هي القصة، وما في داعي لتضليل المجتمعات بمخاطر التقسيم للجغرافيا، إذا كانت مجتمعاتنا غارقة في واقع التقسيم الفعلي لوحدتها الوطنية المجتمعية التي هي اخطر بكثير من تجزئة الجغرافيا السياسية .
نعم، مجتمعاتنا تمزقها التناحرات الضيقة، وتفتك بها الصراعات الداخلية، وتدمرها الولاءات البدائية المنطلقة من عصبيات للعرق او المذهب او الطائفة او الجهة .
وهذه جميعها للأسف طاغية في الوقت الحاضر وعلى ما عداها من روابط وطنية ودينية وإنسانية .
كنت أظن أن ستة أعوام على جرائم فاشيست العصر بشار الأسد، كافية لسقوط آخر أوراق التوت عن نظامه العائلي الطائفي الوحشي الهمجي .
لكنني ومع تلكم المأساة العظيمة الفاضحة لعالم يدعي بانتمائه إلى زمن التحضر والسلام والمواطنة المتساوية، صدمت بوجود من يعد تدخلات روسيا وإيران وحزب الله في سوريا فيها تماثلية لتدخلات دول الجوار الخليجي والعربي في اليمن .
فهناك من يتحدث عن ان الطيران الروسي بدعوة من السلطة الشرعية في دمشق ومثلما فعل الرئيس هادي حين طلب النجدة والمدد العسكري من الأشقاء في الخليج .
بكل صفاقة ومغالطة للوقائع يحدثونك عن مضاهاة القوة الخليجية والعربية بالقوة الروسية والإيرانية، فالاثنين ووفقا وهذا التضليل تدخلا بطلب من السلطة الشرعية في اليمن ومن ثم سوريا .
الأصوات القائلة بان الطيران الروسي ﻭﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ حزب الله وجنرالات الحرس الثوري الإيراني، ينفذ أجندة مشروعة تضاهي تلك القوة العسكرية الخليجية العربية المبررة سياسيا وأخلاقيا في اليمن، هي أصوات مغالطة مضللة مخادعة كاذبة .
فالرئيس هادي انقلبت عليه قوى انقلابية غاشمة، وأرادت بفعلها القضاء على مشروعيته التوافقية الاجتماعية، وعلى مشروع الدولة الذي توافقت عليه كافة القوى اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني - بما فيها طرفي الانقلاب - الموقعة أصلاً على توافق يروم إلى انتقال البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة تتجاوز الأزمات القديمة والحديثة .
وعلاوة على انقلابها، على إرادة وسلطة توافقت عليها معظم القوى اليمنية، كانت تلك القوى الانقلابية، استولت على مقدرات الدولة، من قوة ومؤسسات ومقدرات وموارد، بل ووصل الأمر إلى اعتقال رموز السلطة السيادية وملاحقتها عسكريا إلى عدن وبمحاولة قتلها بصواريخ الطيران .
أما الشعب السوري فلم ينقلب على الطاغية بشار، فلقد ظل وطوال عامين على ثورته السلمية في مارس ٢٠١١م وهو يلهج " سلمية سلمية"؛ لكن النظام أبى وتعجرف وزاد طلب الدعم الإيراني الروسي، عدا عن ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ حزب الله اللبناني التي استباحت السيادة السورية وراحت تفتك بأطفال ونساء وشيوخ سوريا إنابة عن الطاغية بشار .
وإذا ما تجاوزنا منطق هؤلاء وتبريراتهم ومقارباتهم الغريبة؛ فإن الإطاحة بمبارك وبن علي والقذافي وصالح كانت تضحيات -أيضاً- غير مبررة لا ثورياً ولا أخلاقياً .
عجيب أمر هؤلاء، فبينما يعتبرون الإطاحة بالرؤساء الأربعة ضرورة وحتمية وكان ولابد من أن يرحلوا وبكل الطرق والوسائل، وفي ذلك، القوة والعنف إذا ما استدعى الأمر؛ لكنهم وفي الحالة السورية يعدون النظام السوري ورأسه تحديداً شيئاً .
يعني في هذه الحالة على الشعب السوري أن يتخلى عن وطنه ودياره وثورته وتطلعاته وأحلامه، كي يحكم سفاح العصر سوريا!.
كما وتدخل أميركا المتأخر زمناً في سوريا، يعد أمراً محرماً من وجهة نظر أنصار "روسيا وإيران وحزب الله" الذين لا يجدون غضاضة أو حرجاً في جرائم الطيران الروسي وفي عمليات مليشيات حزب الله وفي دعم جنرالات الحرس الثوري الإيراني .
إنهم لا يتحدثون عن مذابح النظام، ولا عن أسلحته الكيميائية القاتلة لأطفال ونساء وشيوخ عزل في الملاجئ والمستشفيات، ولا عن الملايين النازحة إلى أوطان الشتات، ولا عن قرابة مليون قتيل وجريح.
وعندما تدخلت أميركا وبعيد ستة أعوام متتالية من القتل والتنكيل والتشريد والرعب جراء جرائم النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، تذكر هؤلاء أن أميركا أسقطت صدام ودعمت إسرائيل ووووالخ .
ووفقاً وهذه المعادلة المختلة عليك أن تكون نصيراً لسفاح كي تثبت إخلاصك لنظامه الفاشي المستتر عقوداً بالعروبة والقومية، أو أن تقف مع ثورة شعب السوري وحقه في التغيير والحرية كي تبرهن أنك صرت حليفاً لأميركا الملعونة في كل أدبيات الإعلام القومي التقدمي الكذاب منذ نصف قرن ويزيد .