لا مضرة من اختلاف الاتجاهات والأفكار والقناعات، المضرة تكمن في تصادمها، والتصادم ينتج عن وجود خلل في قبول الآخر والتعايش معه، وجود طرف يريد أن يتسيد وفكره يهيمن ومشروعه يٌفرض، وجود مستبد يريد أن يُخضع الآخرين لمشروعه وأجنداته، هذا المستبد يعتقد انه الممثل الشرعي والوحيد للشعب والأمة والقضية، يعترف بوجود معارضيه، لا يعتبرهم شركاء بل خصوم يشكلون خطراً على مشروعة وعليه التخلص منهم، ويكيل فيهم كل التهم من مرتزقة وعملاء وإرهابيين وتكفيريين....الخ
تلك الكائنات تتربص بالوطن، تنشط في الأزمات وفي الاختلاف في وجهات النظر ، يؤججون ويبثون فتنهم، تنجح مخططاتهم بالتجاوب، وتفشل في حالة الوعي الوطني وصوت العقل وترجيح مصلحة الوطن والأمة بتفويت كل فرصة وثغرات تنشط فيها تلك الكائنات لتنخر في الوسط الاجتماعي لتخدم أعداء الأمة ومشروع الدولة.
إن تعددت أهدافهم وأجنداتهم يتفقون في الوسائل والأسلوب والطرح، يتفقون على شيطان يرمون سهاهم نحوه، ويحرضون ويحشدون، يمارسون التدليس والتغرير على البسطاء بحكايات وضلال كقصص وإشاعات لا يملكون دليلاً عن صحتها غير أنها تلبي قناعاتهم وأحلام كامنة فيهم يعيشونها واقعاً على حساب الآخرين، كم هائل من المنشورات ونسخ ولصق على أفراد وجماعات ومكونات، المهم التشويه، وخلط الأوراق، المصيبة أنهم يعلمون أنها أكاذيب ويرتكبون حماقة وجريمة، فالكذب حين يروج بين العامة، ويذاع في المجتمع يتفاقم ضرره، ويتعاظم خطره، ويهلك بسببه كثير من الخلق، ولهذا كان عقاب صاحبه أليماً، وعاقبته خساراً وبواراً عظيما.
ومن الشائعات الخطيرة التي تكثر أوقات الأزمات والفتن: شائعات الإرجاف والتخويف، التي يراد بها توهين عزائم المواطنين، ونحن في حرب، وتثبيط هممهم، والإرجاف بهم، وبث الرعب في نفوسهم، وتشتيت صفوفهم، يصنعون وهما من الشياطين بأسلوب شيطاني ورجيم،لتخويف الشعب وأسير الخوف جبان، وما أسهل إدارة الخائفين وإركاعهم وتمرير أجندات عليهم.
اتقوا الله بهذا الوطن، وكفى محناً وصراعات، ما أمسنا اليوم لدور المثقف والأديب والأكاديمي ليكون مصدر تنوير وخير للأمة، لا نريدهم أن يكونوا مع السلطة، ولكن مع مشروع الأمة في إرساء مؤسسات الدولة الضامنة للمواطنة والعدالة والمساواة، في التحول الذي يرسم طريق الخروج الأمن، لنضمن كنس مآسي وقذارة الماضي، ونؤسس لقيم ومبادئ النهضة والتقدم والازدهار في وطن يستوعب الجميع في قبول الآخر كما هو لا كما يراد له أن يكون، نؤسس لنظام وقانون ينظم العلاقات ويحكم بيننا كإخوة لا كأعداء في حالة اختلاف.
ليعلم كل من يعتقد أنه مناضل من أجل إقصاء الآخر أو تصفيته، ويجرف الواقع السياسي من أدوات التنمية للديمقراطية، والأحزاب التي تعبّر عن التوجهات والأفكار والمشاريع، أدوات الدولة الحديثة.. ليعلم أنه يساهم في إعاقة هذه الدولة بدعم أدوات ألّا دولة، يخدم قوى العنف والتخلف والجهل والاستبداد، ويشرع للقتل خارج القانون وانه في حكم المتهم وأساس المشكلة وبذرة خبيثة زرعت في الأرض لتسممها، فرض مقاومته كواجب وطني وأنساني، الوطن لا يبنى وينهض دون أن يجد تكاثف كل الجهود وتقارب كل الرؤى وتآزر كل القوى في دولة ضامنة للمواطنة والعدالة والحرية والمساواة.