لا نحتاج أن نحشد ضد بعض، ولا نحتاج أن نتهم بعضنا بعضاً، أو نسيء الظن ببعض، ما نحتاجه وطناً يستوعب الجميع ونظاما وقانونا يحكم التعايش والعيش بكرامة وعزة وشرف للجميع، ما نحتاجه دولة ضامنة للمواطنة وحريات الجميع دولة عادلة بنظام وقانون يحكم الجميع، لنحقق مصير الأمة واستقلالها من التبعية .
في ظل هذه الاحتياجات يجب أن نحيد العنف، ونواجه بعضنا بالحجة، بتكوينات سياسية، أحزاباً أو تنظيمات سمها ما شئت، لكل منها مشروع وفكر وقناعة واضحة وأدبيات وبرامج، أنها أدوات التنمية السياسية، التي من خلالها تتم الشراكة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ الشراكة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة .
المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنظمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه الصراعات المدمرة والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت. مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.
دون ذلك هو عبث.. كلٌ يرى أنه صاحب الحق وممثل للناس ومعبّر عن آمالهم وطموحاتهم، في ظل واقع يفتقد عدالة الفرص والتعبير والرأي والرأي الآخر، واقع مشحون بالعنف مهدد بالانفجار يفتقد لمؤسسات الدولة الشرعية التي تنظم العلاقات وتضبط إيقاع الحياة في هكذا واقع صعب أن نتحدث عن الشراكة .
واقع كهذا يحتاج منا العودة لجادة الصواب وترجيح صوت العقل، وتنظيم دواتنا على أسس ديمقراطية لنخاطب بعض وفق المنابر الصحيحة لنصل لنقطة تلاقي في المصالح والتوافق على وطن يجمعنا ونظام ينظم العلاقات بيننا .
حينها لا نحتاج للحشد والحشد المضاد للعنف في إخضاع الآخر، لا نحتاج لكل ذلك العبث الذي يعرض الوطن للمهالك ليتحول لقنبلة موقوتة يمكن لها أن تنفجر على الجميع فيها لن ينتصر غير الأعداء، أعداء الدولة الضامنة للمواطنة.
أحسنوا الظن بالآخرين لا تجهدوا أنفسكم، بتفسير الكلمات حسب أهوائكم وقناعاتكم، لا تحتاجوا لهذا الكم من التلفيق والتدليس والفتن، التي تتيح فرصة للشر والأشرار العبث بالوطن ومستقبل الأمة، لن ننهض دون أن نقبل بعض ونتعايش في وطن يجمعنا هو من أولوياتنا .