أدرك حجم الضيم الذي طال المحافظ عيدروس الزبيدي ورفيقه الوزير هاني بن بريك، كما وأعلم أن إقالتهما من منصبيهما بلا شك سيكون له مترتباته السلبية، أقله أنه سيخلق تعاطفاً شعبياً عفوياً مناهضاً للرئيس هادي وسلطته المحدودة التي باتت الآن على المحك الفعلي الواقعي. فالزبيدي وبن بريك وإن اختلفنا معهما سياسياً وفكرياً وإدارياً، إلاّ أن قرار إقالتهما وبتلك الطريقة، أعده قراراً خاطئاً ومربكاً للحالة القائمة في عدن وأخواتها المحافظات المحررة.
لماذا خاطئاً ومعقداً للأوضاع؟ فلأن السلطة الشرعية للأسف لم تعمل بحسبانها أنها أولاً أهدرت وفرطت بنجاح كان في متناول يدها.
وتالياً هذه السلطة هي وفي كافة الأحوال ليست في موضع قوي وآهل ومريح يؤهلها للإمساك بزمام الحالة الناشئة عن تنحية طرف حليف ومسيطر وكاد يتسبب إقصاؤه بمشكلات جمة، لولا تدخل قيادات في التحالف ومنعها الانجرار إلى فوضى عارمة يصعب إخمادها.
وحين أقول إن السلطة الشرعية فرطت بنجاح، فهذا النجاح تمثل في أن الحرب منحتها فرصة لاستقطاب وترويض عديد من أسماء القيادات الجنوبية وأتباعها، وهؤلاء كانوا وإلى ما قبل اندلاع الحرب، من أشد خصوم هادي وسبق لهم مقاطعة انتخابه في فبراير ٢٠١٢م.
لكنها بالمقابل عجزت وأخفقت في خلق علاقات وثيقة مع شركائها الجدد، ما أثر في النهاية على مجمل الأوضاع في العاصمة المؤقتة للبلاد "عدن" وغيرها من المحافظات الجنوبية.
فبرغم أن تحالف الضرورة بين السلطة الشرعية وقيادات المقاومة الجنوبية، كان يمكن تعزيزه بالمزيد من التقارب والتفاهم والثقة، إلاّ أن ما حدث هو أن الهواجس والشكوك والمخاوف، كانت أكبر من أن يتم احتواؤها والتخلص منها.
وعلاقة مضطربة من هذا القبيل، انعكست بدورها على المحافظات المحررة التي عاشت مناخاً مضطرباً وضبابياً ومعتماً في أغلب الأحيان.
فلا السلطة الشرعية قدر لها بسط نفوذها بحيث تسيطر على مجمل الأوضاع سياسياً واقتصادياً وخدمياً وعسكرياً وأمنياً، أو أن السلطات المحلية تمكنت من القيام بكامل مسؤولياتها.
طبعا، الرئيس هادي لم يحسب حساباً بكون إدارته أسهمت وبشكل كبير في إفشال حلفائه الجدد بداخل المحافظات المحررة تحديداً.
فضلا عن أنه- وبحكم مركزه- تسبب في دفع شركائه ناحية البحث عن حليف لتقوية مراكزهم ونفوذهم وإن على حساب علاقتهم بسلطته التي للأسف لم ترتق ممارسة إلى طبيعة اللحظة التاريخية الاستثنائية الوطنية.
الرئيس هادي عمل ذلك، اعتقاداً منه، بخلق ظروفا مواتية له كي يسيطر ويستمر. ضف لذلك كان لفشل إدارته الذريع في اختيار أدواتها العاملة في الرئاسة والحكومة وكذا السلطات المحلية والجيش والأمن. فكل هذه الأشياء ساهمت وبشكل كبير في إضعاف سلطته وإظهارها في هيئة باهتة فاسدة مشوهة.
في المحصلة، السلطة الشرعية لم تستطع خلق مناخات محفزة لها كيما تقدم نفسها للمواطن وبشكل إيجابي مستقطب للتعاطف والتأييد.
وفي ذات الوقت القيادات الجنوبية أخفقت في استيعاب طبيعة المرحلة وماهية العلاقة المفترض أن تسود بينها وبين الرئيس هادي.
ما يعني هنا، أن إدارة الرئيس هادي فشلت في تأسيس حالة مريحة لها في محافظات الجنوب، ما عكس سلباً على الدولة الاتحادية الفيدرالية التي تروم لها وتعد ذاتها حاملة لرأيتها.
تجلى هذا الإخفاق بادياً في خفوت كثير من الأصوات المؤيدة له وللدولة الفيدرالية التي كانت والى وقت قريب تحظى بدعم قوى جنوبية عدة وان بقى صوتها خافتا ومتواريا.
وفي كلا الحالتين، الرئيس هادي خسر حليف مهم وحيوي، كما وخسر حلفائه ايضا شريك كان ينظر إليه باعتباره الجامع المشترك الذي لا غنى عنه في المرحلة.
نعم، تفريط هادي بشريك مهم وحيوي وفي وقت عصيب وحرج مازالت فيه الحرب مفتوحة على مصراعيها، سيزيد من أسهم الأصوات والأفكار الرافضة أصلا ﻻﻱ شراكة مع السلطة الشرعية.
كما وستدفع بهذا الشريك مضطرا الى أتون مواجهة ثأرية انتقامية يجهل الجميع نتائجها وكلفتها على المواطن البسيط الذي يدعي الطرفين وصله ومنفعته.
الخلاصة، ما حدث في عدن، كان متوقعا وقوعه في أي لحظة، خصوصاً في ظل إصرار الطرفين على المضي في دربين متصادمين ومتضادين.
لقد كان أملنا بحدوث تقارب سياسي يفضي إلى بديل جديد غير تقليدي، لكن، لا السلطة الشرعية حسمت أمرها مع شركائها الجنوبيين المستجدين، أو أن هؤلاء الشركاء تعاملوا مع السلطة بشيء من المرونة والذكاء والواقعية.
فهذه السلطة وعلى علاتها وإخفاقاتها، مازالت في نظر الكثير داخليا وإقليميا ودوليا، الشيء الدال والمعبر عن الدولة اليمنية الغارقة في لجة صراع عنيف ومفتوح غير قابل بالمزيد من التأجيج والدمار.
وهاتين الفكرتين القائلتين بالفدرلة والاستقلال معا، فبقدر ما أعدهما سببا في الحرب والتحرير، هما - أيضا - سببا في انفكاك عقد الشراكة بين السلطة الشرعية وحلفائها الجدد.
ولا اعد محافظ عدن السابق إلا أولى حبات العقد، خاصة إذا ما ظلت الأخيرة على مواقفها السابقة ودونما تحديث.