ليس ضرورياً أن تكون من أتباع أو أنصار فلان أو زعطان من القيادات، بل المهم هو أن اتباعك لشخص ما وتأييدك له، رابطه الأساس والفكرة السياسية لا العصبية والتعصب.
شتان بين أن تكون نصيراً لهادي وسلطته وحكومته باعتبارها جميعاً أدوات دولة، وغايتها الآن استعادة تلك الدولة، وذلك، بإنهاء الحرب وإقامة الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم.
وبين أن تكون تابعاً لهادي بكونه من البلاد أو الجنوب أو أن سلطانه يمنحك الجاه والنفوذ والمال والهيلمة.
الحال ينطبق أيضاً على أنصار وأتباع الزبيدي والمفلحي، فكلاهما برأيي يتمتعان بسمات ومؤهلات وخبرات وإن اختلفت في نوعيتها وأهميتها.
وعليه يمكن القول إن الاقتراب أو الابتعاد من الاثنين يجب أن يكون محدده الأساس، الرؤية السياسية التي يؤمن بها المحافظ السلف أو المحافظ الخلف.
فأياً كان اختلافنا أو اتفاقنا مع الشخصين، يبقي التعاطي معهما دافعه ومنطلقه الأول الفكرة السياسية وليس العصبية المقيتة للمكان أو القبيلة أو العشيرة أو الطائفة.
فطالما وأننا نتحدث عن سلطة إدارية يعول منها الانحياز للدولة ولا شيء سواها، فذاك سبب كافٍ يمنعنا من الانحيازات الأخرى التي هي وفي كل الأحوال أقل وأدنى من الدولة الوطنية.
قلت مراراً إن الخشية على الجنوبيين لا تأتي من تصادم فكرتي تحرير الجنوب واستعادة دولته أو بقاء الجنوب ضمن دولة اتحادية فدرالية، وإنما الجزع عليهم من الأعمال الصبيانية الغوغائية الشوفينية التي لم نحصد منها إلا الكوارث والمآسي.
حذرت من خطورة حشد الجنوبيين وعلى أساس انتمائهم الجغرافي، فمثل هذا الاصطفاف خطورته بكونه لا يؤسس لدولة يتعايش فيها الجميع وإنما يخلق هويات محلية جهوية ومناطقية لا ترتقي مطلقاً لمصاف الدولة والشعب والوطن.
فالجنوب مفردة مغرية جاذبة للعصبيات.. فلربما كان الانتماء للمكان طريقة سهلة ومثالية لدفع الناس إلى ساحات النضال وإلى قتال القوى الباغية الغازية، لكنه ومن حيث لا يعلم أصحابه، دربٌ ملغومٌ بالعصبيات.
المقدمات الخاطئة لن تؤدي لغير نتائج خاطئة، وأعتقد أن المهم للجنوبيين الآن هو إصلاح ما أفسدته السنون الفائتة.
فعلى فرضية أن غالبية الجنوبيين يدعمون فكرة التحرر والاستقلال، فهذا يستوجب منهم تغيير كثير من المفاهيم السياسية المتخشبة عند مفهوم جغرافي وحيد.
فلا يعقل أن تظل القوى الجنوبية أسيرة احتمائها بالجغرافيا، ففي المحصلة هناك قضية سياسية وعلى هذه القوى امتلاك أفكار ورؤى سياسية للحل والمعالجة.
فإذا ما أرادت تجاوز هذه الوضعية الغريبة الناتجة عن غياب المشروع السياسي، فينبغي منها تقديم الجنوب كدولة بدلاً عن تصويره وكأنه مجرد مساحة يتنازع أهلها على مسماها.
لا أعلم لماذا يعتقد إخوتنا الجنوبيون أن حديث المحافظ المفلحي عن الدولة الفدرالية يمثل جريمة صارخة تستوجب عقاب قائلها؟.
ولماذا يظن إخوتنا من أنصار السلطة الشرعية وحلفائها أن القائد الزبيدي ينبغي أن يكون مؤمنا بالفدرلة وإلا فمصيره النفي والإقصاء السياسي والمعنوي.
الفكرة لا تواجه إلا بالفكرة، والرؤية السياسية لا تسقط وتهزم بالبطش وجبروت القوة، بل بالإقناع والمنطق والحوار والقبول.
والسلطة المهترئة الفاسدة لا تواجه بغير معارضة قوية مؤثرة نزيهة.
كما والدولة الجنوبية لا تحققها الشعارات والمزايدات، وإنما بقدرة أصحابها على إقناع الجنوبيين أولاً، وتالياً إقناع الآخرين من صناع القرار والفاعلين والداعمين الذين يتوجب الحصول على تعاطفهم ودعمهم.