يختزل الطغاة كل شيء في صورتهم، يعتبرون أنفسهم الوطن والشعب والتاريخ والثوابت الوطنية، وكل من ينتقد سلوكهم وسوء إدارتهم ينظرون إليه كعدو يستهدف الوطن لا الحاكم الفرد المستبد.
وبالطبع فإن هؤلاء الطغاة يحتاجون لمن يسوّق لهم سياساتهم ويقدمها للشعب على أنها إنجازات، وإن كانت إخفاقات لا تخطئها العين، ولا شك أن شركاء الاستبداد هم حملة مباخر النفاق من جوقة المنتفعين وبائعي الضمير وأبواق من بلاط صاحبة الجلالة.
ولأجل بقائه في الحكم طويلاً، يسخر الحاكم المستبد كل أدوات نفوذه من مال وعسكر ومخابرات ومتزلفين وأعضاء بحزبه، ليكونوا جميعاً عصا يقمع بها معارضيه، ويضحي بها إذا احتاج إلى ذلك، عندما يكون الأهم رأسه وما نهبه من مال.
وفي الحالة اليمنية، يحضرنا الرئيس المخلوع الذي ضحى طوعاً وكرهاً بأغلب نفوذه بالجهاز الإداري للدولة المدني والعسكري، وحتى القبلي والحزبي، لصالح «أعداء الأمس»، وهم الحوثيون، ليكونوا عصا الانتقام من خصومه الذين أطاحوا به، ولا بأس من تأجيل الثأر بينهما حتى أجل غير مسمى.
بعد عامين من الانقلاب الذي اشترك فيه صالح وحليفه الحوثي، يبدو الأخير أكثر قوة من الأول، بعدما بات يتوسع في نفوذ الرجل الذي حكم اليمن ثلاثة عقود، حتى إن البعض يقول إن صالح أشبه بالأسير بصنعاء، وإن كان يتحرك بشكل محدود، لكنه تحت المراقبة.
أكبر الخاسرين من تحالف صالح مع الحوثي هم أعضاء حزبه الذين يتعرضون للفصل الوظيفي والإقالة، خاصة المسؤولين الكبار، والاختطاف، وإن لم يصل إلى درجة خصومهم من مؤيدي الشرعية، لكن نظرة الحوثيين إلى المؤتمريين أنهم «طابور خامس»، باستثناء المؤيدين لهم، وهم خليط من المنتفعين والفاسدين.
لا يجرؤ أعضاء حزب صالح على النقد العلني، ومن غامر وكتب بصفحته بـ»الفيس» أو «تويتر» أو تكلم بمكان عام، أصبح عرضة لملاحقة الحوثيين بتهمة تأييد «العدوان»، أي أن مجرد السؤال عن الرواتب الموقفة، مثل بقية الموظفين، تهمة تستوجب العقاب.
في كل مناسبة يتعرض فيها مؤتمري لفصل من الوظيفة، أو إيقاف أو اعتداء يجد نفسه بلا تضامن من حزبه، ولا تستغرب إن سمعت أو قرأت لأحدهم ما يشبه اللوم له على إدخال نفسه «سوقاً هو في غنى عنه»، وهذا ينطبق على إعلام الحزب الذي يتجاهل الأمر، التزاماً بتوجيهات صالح تحت مبرر «الحفاظ على الصف والشراكة".
وبدلاً من أن يدافع عن أتباعه، ويدين ما يتعرضون له، دعاهم صالح في كلمة له لتحمل ما يصفها بالاستفزازات، مع أنها أكبر من ذلك، وهو ما سيعتبره الحوثيون بمثابة ضوء أخضر للمزيد من البطش والتنكيل لكل من يرفض أوامرهم، ولديهم تفويض من «الزعيم».
لا مشكلة لدى صالح في التضحية بأتباعه، مثلما ضحى بأهم نفوذه بالجيش والأمن والاستخبارات مقابل سلامة رأسه وأسرته وأمواله، وإن كانت بالخارج، لحين تجاوز أزمته الحالية