الكبار سيبقون كباراً بأفكارهم وأفعالهم وسلوكياتهم ونفوسهم، ففي الأفعال العظيمة لا شيء هنا يستدعي الخجل.. الوجل.. الهروب.. الزيف.. المساومة.. الخيانة.
في اللحظات الفارقة تتجلى المواقف وتتكشف معادن الرجال، فالمحن وحدها تبرز لك أصناف البشر.
إننا إزاء اكبر بازار لفضح المزايدين والمنافقين والمرجفين الخائفين. في الملمات الشديدة تتخلق الشجاعة والقوة والإيثار.
لا يكفي أن تحني رأسك للعاصفة، فمثل هذا الفعل الساذج قد يمنحك النجاة، لكنه لم يعطك الحياة الآمنة. لذا عليك دوما وأبداً أن تتعلم كيف تواجه العاصفة؟ وكيف تشاطر الناس وقت المحنة؟.
الإنسان الحر الشجاع لا يكفي امتلاكه لصوته الجهور، بل ينبغي أن لا يخشى قول الحق وأن لا يقبل بالظلم والطغيان والاستعباد للآخر، ومهما كان رأيه وفكره ومعتقده ودينه.
إلى أين يا بلد؟ كأني لا أعرفك! كأنك لست أنت وكأني لست أنا!
أقف الآن على أشلاء بلاد مزقتها حروب داحس والغبراء، بلاد تسقط وما أن تستفيق حتى تجد ذاتها تمضي خلف ناقة البسوس.
حروب الحكام الطغاة المستبدين الذين لا يرون في اليمنيين إلا جرحاً نازفاً، ومهجة فائضة، وبلداً متعباً مدمراً، فكل هذه النزيف، وهذا القتل، وهذا الخراب، لا صلة البتة له بحياة وكرامة المواطن اليمني، وإنما من أجل أن يبقون حكاماً عليه وبالقوة والعنجهية.
لا شيء تبدل.. لا شيء تغير.. فغيّر الزمان وأحواله لا يبدو أن هناك ثمة جديدا مختلفا يوحي بانتمائنا للألفية الثالثة أو الثانية أو الأولى.
إننا مجرد خرفان وكباش آدمية إلى وقت طلب الطغاة المتناحرين على السلطة، لا الدولة أو الشعب أو الرفاهية.
ما من قضية وما من فكرة وما من قيادة وما من بلاد وما من شعب؟ الكل هنا يعيش ملهاة حقيقية صاغتها سنون وقرون من الثأر والانتقام والخنوع والموت والدم والبغض والجشع والخوف والاستئثار والاستعباد.
الأمم تتوحد كيما تقوى وتزدهر وتتعايش بسلام ونظام ورفاهية، وإذا ما تحاربت مرات فكي تقوى وتسود وتنعم مليون مرة.
ونحن إذا ما توحدنا مرة فلكي نتمزق ألف مرة، وإذا ما اتفقنا مرة على طي صفحات ماض ضمخها الدم والعار والألم، فلكي نفتح صفحات جديدة سوداء مخزية لأجيال المستقبل.
إننا الشعب الوحيد الذي تتوافر فيه كافة شروط التعايش والتسامح والوئام، ومع ذلك أبينا إلا أن نهمل تلك السمات الجميلة وتلك الوشائج الفضيلة.
نعم رحنا نبحث عن دوافع مهلكة، وأغلال مقيدة، وقيادات مراهقة أنانية، وطرقاً ودروباً وعرة.
في المحصلة، جل فعلنا، للأسف، لا يؤسس لغير الطغيان، ولغير قبائل وطوائف متناحرة على مدى الأزمان، ولغير بقاع متناثرة لا ترتقي يوما لمصاف الأوطان.