هل استعصى المشهد في اليمن على صانعيه وأصبح أكبر من الجميع؟
سؤال يتكرر بأكثر من صيغة وبمفردات مختلفة.
الحقيقة التي تشكل جذر الجواب لهذا السؤال الهام هي أن الانقلابيين صنعوا مشكلة أكبر منهم، لم يستطيعوا إدارتها بكل ما امتلكوه من سلاح. اعتقدوا أن السلاح يصنع المعجزات ثم اكتشفوا أنه ليس أكثر من أداة للتوريط عندما أخذ يحركه عقل لم يسعفهم في استثمار المساحة التي غطتها قذائف مدافعهم إلا ذلك الاستثمار الذي ظهر بواسطته الوجه الحقيقي لمشروعهم، وهو الوجه الذي تكثف فيه قبح القوة وهي تستحضر نماذج التسلط من تجاويف تاريخ سياسي لحكم كل مؤهلاته النهب، وليس لديه ما يعطيه، وبمظاهر لا يمكن أن يبقى لها مكان في اليمن المعاصر.
اختزلوا انقلابهم إلى احتجاز جزء من البلاد كرهينة، وعطلوا مشروع الدولة الذي شاركوا في صياغته في مؤتمر الحوار، كل ذلك بانتظار تسوية يتمكنوا من خلالها إعادة بناء الدولة على أسس طائفية.
وانسجاماً مع هذا الهدف، الذي فصلوه بمقاسهم، أخذوا يعملون على تضخيم المأساة برفض الحل السلمي باعتقاد أن ذلك سيجبر المجتمع الدولي على التدخل لإنهاء الحرب والاعتراف بالأمر الواقع دون أن يضطرهم ذلك إلى التخلي عن الانقلاب أو عما رتبه من أوضاع على الأرض.
وعلى الجانب الآخر فإن القوى التي تصدت للانقلاب تحت مظلة الشرعية على الرغم من النجاحات التي حققتها على صعيد استيعاب الجزء الأكبر من المشهد في مساراته العسكرية والسياسية، إلا أن أسلوب تعاطيها مع أربع قضايا أساسية في السياق العام للسيطرة على المشهد، وما يعتمل فيه من تبدلات كبيرة يومية، قد أثر على سلامة أدواتها في السيطرة على المشهد.. حيث بدا أنه من الضروري إعادة تقييم هذه الأدوات لتمنع اتساع الفجوة معه، ويمكننا أن نستدل على ذلك بأربع قضايا رئيسية لا يمكن للشرعية أن تقيم أدواتها وسياساتها على نحو صحيح دون أن تكون هذه القضايا محور هذا التقييم:
-١/ إدارة المناطق التي تم استعادتها من قبضة الانقلابيين، وهو موضوع يجب التعامل معه على أنه "الوعد"الذي تقدمه الشرعية بخصوص الدولة التي تقاتل من أجل استعادتها بما يحمله من أحلام بالاستقرار والأمن والبناء وتوفير الشروط لممارسة شعبية للاختيارات السياسية.
٢/ استعادة تعز من أيدي الانقلابيين بأي شكل وتحويلها من رهينة بيدهم إلى نقطة ارتكاز في مجرى استعادة الدولة المخطوفة. بقاء تعز بهذا الوضع سيظل نقطة ضعف خطيرة في عمل الشرعية وتصديها للانقلاب.
٣/ الحيرة والارتباك فيما يخص استكمال السيطرة على الساحل الغربي، بِما في ذلك الحديدة، يضع أكثر من علامة سؤال حول منهجية وسلامة استراتيجية مقاومة الانقلاب، حتى لو افترضنا أن هذه الإستراتيجية تقوم على التسوية في نهاية المطاف فإن للتسوية شروطها لكي تنجح في تحقيق سلام دائم.
٤/ إدارة العلاقة مع التحالف لا بد أن يتم من منظور استراتيجي ولا يجب أن يسمح لهذه العلاقة الإستراتيجية أن تتأثر بالممارسات التي تغلب عليها الخفة في التعاطي مع القضايا التي تنشأ على الواقع كمسألة طبيعية طالما أن هناك عملاً مشترك فيه من التعقيدات ما يثير الكثير من الخلافات.. المهم هو أسلوب وأدوات إدارة هذه الخلافات.
المفارقة المحبطة هي أن المشهد تتضخم فيه المأساة من جانب ويصيبه الجمود في الجانب الذي يتطلع فيه الناس إلى الحل الشامل للمشكلة من جانب آخر.
نشأ عن هذه الفجوة بين جانبي المشهد فراغ أخذت تملؤه الكوليرا والمجاعة والى جانبهما تزايد رقعة من يملئون الفراغ بالتزوير ومحاربة طواحين الهواء والبحث عن عدو وهمي للتسلية.