قال لي أبحث عن دبة غاز، بعد استلفت قيمتها من جاري لأن راتبي حبيس أدراج الفساد والبيروقراطية وقرار الرئيس راتب شهرين قبل رمضان وراتب شهرين منتصف رمضان، وهو يعلم أن قراراته مفعولها ضعيف جداً، لهدف غير بريء، إعاقة متعمدة للدولة والشرعية الأمل الذي يتمسك به المواطن في حياته وراتبه وسبل العيش، وأكثرهم لا يهتم بسياستكم وأجنداتكم ولا يريد أكثر من ذلك .
ومجرد ما دخلت منزلي وإذا بالأسرة تفاجئني (الدبة كملت) وكنت قد تجاوزت صرف الراتب الحقير والمستقطع بسبب الحرب اللعينة، وعدم تعافي وطن، ودخلت في مرحلة السلفة والدين، وجميعنا في الهم واحد، الكهرباء همنا، الراتب مفقود أو لا يفي بالغرض، من سيقرضني قيمة دبة غاز، فقلت للزوجة كانت أمي تطبخ لنا الخبز بالحطب في حي المعلا في ستينات من القرن الماضي، بطعمه اللذيذ المقرمش، عادت بي الذاكرة لذلك الزمن، بعضهم يعود بنا للماضي بمآسيه وصراعاته وثاراته، ونحن نواجه هذا التيار وبعضهم يسير معه ليواكب المرحلة غير مهتم بالنتائج، فلنفكر جلياً بالبحث عن مخارج لمشكلنا ومعاناتنا ولو في لحظة استعادة الأنفاس، ننسى التحضر والتكنولوجيا ومواكبة العصر لنواكب هذا التراجع قليلاً، نعود للحطب والفانوس والذبالة والنوارة، وتاريخ ذلك الزمن السحيق، حينما كان المسرج يسرج الشوارع بالشموع، وإلى اليوم تطلق على بعضهم تلك التسمية، لنتذكر الوراد والجمل وما حمل والحمار وصب الماء من التنكة للزير والجحلة، دوات فخارية لحفظ الماء وتبريده .
يمكن لنا أن نحفظ كرامتنا وإنسانيتنا، ونحن نطالب ونطالب و نتوسل، وهم محسوبين علينا دولة وسلطة وشرعية وكيانات سياسية وحقوقية، يستمدون بقاءهم منا، لا يقدمون لنا شيئاً، فشلوا ثم فشلوا، بل يمارسون في حقنا أصناف العذاب والتنكيل والإهمال والفساد والصراعات القذرة فيما بينهم، ونحن في وسط هذه المعمعة نعاني ونصرخ ونتألم، وهم منشغلون في كياناتهم السياسية ومناكفتهم القذرة، لا يعيرون لنا أي اهتمام غير أن نكون أدوات بأيديهم يستثمرونها لأجنداتهم .
رمضان على الأبواب، ولا يحتاج لوجع قلب ومناوشات ومناكفات واتهام وتحريض ضد بعض، سنجرح صيامنا، لنتفرغ لطاعة الله والعبادة والعمل الصالح، وما دمتم مصرين على العودة بنا للماضي خذوا ما تريدون وسنأخذ منه ما نريد لنعيش حياة كريمة حياة آبائنا وأجدادنا البسيطة والمتواضعة، ولنا لقاء بعد رمضان، لشعب صبر وتحمل المزيد من قذارتكم وتصلب أفكاركم وعنجهيتكم، وتعصبكم وجهلكم وتخلفكم، وبعد الصبر مفتاح الفرج الذي سيفتح طريق المستقبل بدونكم بإذن الله، عدن تحتاج كهرباء وتطبيعاً للحياة لنعيش بكرامة وعزة وشرف دون مرمطة وحشد وصراخ ووجع لا ينفع مع عقول تحجرت وتصلبت مع مرور الزمن .