يبدو أن الجنوبيين على مفترق طريقين لا أكثر، فإما طريق الإقليم الجنوبي الواحد وضمن سياق دولة اتحادية معدلة، أو أنهم سيذهبون لأبعد من ذلك .
ففي حال بقيت السلطة الشرعية في محاولاتها لترويض واحتواء الموقف جنوباً؛ فإنها هنا كمن يدفع الجنوبيين ناحية خيارات قاسية ومريرة .
في هذه الحالة سيصير فك ارتباط الجنوب عن الشمال وتحلله عن أي التزامات سياسية وقانونية قائمة - مثل السلطة الشرعية ومبادرة الخليج وقرارات الشرعية الدولية - شيئاً محتماً وممكناً وبعيد أن كان على ﺍلأﻗﻞ أمراً متهوراً وغير مقبول .
تظاهرة- أمس الأحد- بقدر ما كانت مقلقة ومؤرقة من أن تدفع بنا إلى مآلات مجهولة، كانت من جهة عامل اطمئنان للكثير من المتابعين والمهتمين .
فالتظاهرة وعلى كثافة حضورها وخطورة توقيتها، مثلت رسالة قوية ودالة على أن هناك ضغوطات مورست من المملكة والإمارات على قادة المجلس الانتقالي .
هذه الضغوطات السياسية كشفت عنها الأيام القليلة الماضية، اذ ان السلطة الشرعية وعلى مساوئها عدت خطا احمرا لا ينبغي تجاوزه وفي مختلف الأحوال .
فطالما ونحن نتحدث عن عملية سياسية، فعلى الجماهير الزاحفة بكثافة إلى عدن، أن تعلم بأن المجلس الانتقالي لن ينساق خلف هدير الجماهير التي مطلبها الأساس فض صلة الجنوب واستعادة دولته السابقة .
فمثل هذا الخيار وعلى واقعيته الآن - من ناحية الإرادة الشعبية - إلا أنه ومن عدة نواحي قانونية وسياسية وواقعية - أيضا - مازال أمراً مقلقاً ومربكاً ومعقداً، ما استدعى من قادة المجلس الانتقالي التعاطي معه بتأني وحذر وموضوعية .
المجلس الانتقالي إنحاز للعقل والمنطق والمصلحة على ما سواها من عاطفة وشعارات، فالدخول في مواجهة مبكرة ومع جهات عدة وفي مرحلة خطرة وحساسة مفتوحة على مصراعيها، بلا شك مجازفة خطرة يصعب احتمالها أو التكهن بنتائجها .
الخيار العقلاني والمنطقي هو أن على قادة المجلس الانتقالي الإعلان صراحة بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم وإن على مراحل، وكذا تأكيدهم باحترامهم للسلطة الشرعية وإن اختلفوا معها في طرق التسوية السياسية للقضية الجنوبية .
نعم، مؤتمر الحوار الوطني لم يحسم مسألة شكل الدولة الاتحادية نظراً للخلافات العميقة التي برزت وقتها، ما أدى بفريق بناء الدولة إلى إحالة موضوع تحديد الأقاليم إلى لجنة تحديد الأقاليم برئاسة الرئيس هادي .
كانت هناك ثلاثة خيارات متداولة للبحث والنقاش، فمنها الثلاثة الأقاليم والستة وأيضا الاثنين، لكن وبسبب حسابات وتوجسات برزت وقتها، تم الأخذ بخيار الستة الأقاليم، اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال .
البعض سيقول لك اليوم: دولة اتحادية من ستة أقاليم ولا رجعة عنها قيد أنملة .
شخصياً لطالما دعمت فكرة الفدرالية المتعددة الأقاليم، لكن ذلك لا يعني إغفال حقيقة أن الانقلاب والحرب والتحرير أفرزت واقعاً جنوبياً يصعب تجاهله، خاصة بعد كل ما حدث .
ليكون الجنوب إقليماً، ولتقم الرئاسة بإصلاح الخلل الناجم عن قرارها الذي عده الكثير متسرعاً ومحققا لرغبة قوى بعينها وعلى حساب قوى جنوبية شاركت في الحوار واضطرت للانسحاب بجريرة رفض مطلبها .
أفضل جنوباً موحداً في ظل دولة اتحادية وسلطة شرعية واحدة، بدلاً من جنوب خارج السيطرة ومغرد خارج سرب الفدرلة والشرعية .
للتذكير هنا، فمن جملة مقررات فريق بناء الدولة الآتي : " لا يحق مطلقاً تعيين أي من أقارب وأصهار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس السلطة التشريعية ووزيري الدفاع والداخلية ورئاسة المخابرات تعيين أي من أقاربهم حتى الدرجة الرابعة في أي مناصب قيادية في الجيش والأمن والمخابرات مدة عملهم في تلك المناصب" .
فهل هنالك ثمة احترام في الواقع؟ أخذت مثالاً واحداً ومقرراً واحداً مهماً لم يحترم وتم انتهاكه وبشكل وقح وعبثي ممن يدعون اليوم بتمسكهم بمقررات مؤتمر الحوار .
فلماذا نسكت إزاء انتهاكات خطيرة تمس أهم مخرجات وطنية مؤسسة لدولة يمنية حديثة؟ بينما وحين يكون المطلب واقعياً ووطنياً ومنطقياً ويتعلق ببقاء الجنوب من عدمه فلا نعثر إلا على المبررات والحجج المستميتة بهواجسها ومخاوفها القديمة الجديدة؟.