29 مايو الذكرى السادسة لإحراق ساحة الثورة في تعز.. كان النظام يتأهب لتصفية الثورة السلمية بقوة السلاح، غير أن سلمية الثورة والعملية السياسية المرافقة لم تمكنه من تنفيذ مخططه دفعة واحدة . بدأ بتعز وقد أخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل.
العامل الأول إن قمع الثورة في تعز سيربك الساحات كلها وسيخلق حالة من الفوضى وردود الفعل، وربما المسلحة منها، الأمر الذي سيسهل عليه مواصلة قمع الساحات وخاصة صنعاء .
العامل الثاني يجعل من إحراقها مجس اختبار لرد الفعل الدولي وفي ضوء ذلك سيتخذ الخطوة اللاحقة.
العامل الثالث الموقف الذي سيأخذه اللقاء المشترك من العملية السياسية والمبادرة.. وكان يراهن على أن اللقاء المشترك سيندفع تحت ضغط ردود الأفعال التي ستصدر عن الساحات إلى رفض المبادرة، الأمر الذي سيخلص النظام من الضغط الخارجي بقبول المبادرة، وإطلاق يده من ثم في تسوية الوضع بطريقته.
والحقيقة أن ردود الأفعال تفاوتت وتعالت أصوات كثيرة هنا وهناك تطالب بالمواجهة المسلحة، وأنه لا خيار آخر أمام تلك الهمجية والبشاعة التي استخدمها النظام في مواجهة الثورة في تعز، خاصة وأن رد فعل المجتمع الدولي لم يكن بالمستوى المطلوب.
في مثل هذه الظروف لا تستطيع أن تميز الأصوات الصادقة من الأصوات المخادعة والتي تود توريط الثورة في مواجهات مسلحة لا تخدم غير مشروع النظام التصفوي.
كان لا بد من التمسك بسلمية الثورة ومواصلة العملية السياسية المرافقة وإحراج النظام وذلك بعدم الاندفاع إلى ساحة المواجهة التي كان يريد أن يجر الثورة إليها.
لقد مهد النظام للعملية العسكرية بأن حاول إقناع المجتمع الدولي بأنه لا توجد لديه مشكلة مع الشباب في الساحات، وأن مشكلته هي مع القوى التي انشقت عليه من داخله، وأن هذه القوى لا تريد سوى السلطة وأنها تستخدم الشباب لتحقيق أهدافها.
هكذا خلط الأوراق.. ووجد آذاناً صاغية، وبرز من داخل الساحات من يردد ذلك، ولم تخل العملية أيضا من تصرفات أخذت تصب في نفس الاتجاه .
كان العمل السياسي الذي قاده المشترك لحماية الثورة من المخاطر قد أعاد الأمور إلى مجراها بعد إحراق ساحة تعز بهدوء وبتوافقات مع قيادات الشباب على الرغم من صعوبة وتعقيدات الوضع، وكان الرأي هو أن تعز يجب أن تعود اليها حيوية وزخم الثورة السلمية، لأن جر تعز إلى طريق آخر سيقلب المعادلة رأساً على عقب، وسينتهي المشروع المدني الذي تحركت الثورة من أجله في نفس المكان الذي يعول عليه في انتصار هذا المشروع .
غير أن حسابات العملية لم تكن كلها تصنع على الطاولة التي يجتمع عليها اللقاء المشترك.. ولذلك فقد أخذ جزء من العملية السلمية يتفكك في أطرافها غير المنضبطة للعمل السلمي مما وجد فيه النظام فرصة لتسويق روايته عن الثورة.
على موائد أخرى كان يتزاحم الناس من كل لون ولأسباب كثيرة لم تكن الثورة فيها سوى عنوان باهت بلا مضمون.
عادت تعز إلى زخمها الثوري السلمي، لكن جرح الساحة كان قد فتح باباً تسلل منه إلى ساحة خلفية موروث العنف بأطيافه وحساباته المتنوعة.
في هذه الساحة بنيت المتارس لتصفي الأطراف مع بعضها حسابات قديمة وحديثة.. لكن الجميع كانوا يصفون حساباً مع المشروع المدني بوعي وبدون وعي .