لا أعلم لماذا أتذكر الآن قصة حركة طالبان الأفغانية؟ وكيف أنني وكلما رأيت صبيان جهلة وقد صاروا قيادات ناهية عادت بي ذاكرتي لكتاب المفكر والكاتب القدير فهمي هويدي" طالبان.. جند الله في المعركة الغلط"؟.
طبعاً، الفارق الوحيد هنا أن حركة طالبان وصلت إلى السلطة منطلقة من فكرة دينية جوهرها الأساس تغيير المنكر الذي شاع بكثرة عقب سقوط كابول في يدي الحركات الإسلامية الجهادية المتحاربة فيما بينها ومنذ إبريل٩٢م .
نعم.. وفيما كان منطلق حركة طالبان مساجد الصلاة وحلقات الوعظ والفقه المتأثرة جداً بالفقه السلفي الحنبلي الوهابي؛ كان محرك انتفاضة الحراك والمقاومة الوريثة له الساحات وجبهات القتال والأحزاب ووسائل الإعلام المختلفة .
وبرغم الفارق بين الحركتين أجدهما يتشاركان بسمات أساسية وجوهرية أهمها العفوية والراديكالية الخطابية وغلبة منطق أهل الثقة على أهل الكفاءة، ناهيك عن ظروف تكوينهما وبروزهما المجتمعي والجغرافي .
فضلاً عن تشاطر الاثنين في الوصول للسلطة ودونما خبرة أو تجربة أو حتى الاستفادة من أسلافهما، ما جعلهما يخوضان غمار معركة هي أكبر وأعقد من قدراتهما وتفكيرهما .
لا أطيل عليكم، سأترككم مع أهم ما دونه الكاتب هويدي في مؤلفه البديع الغني بالمعلومات التاريخية عن أفغانستان، ذاك البلد المكون من ٢١ عرقاً وملة .
ويمثل البشتون أكثر تلك الأعراق "أغلب طالبان منهم" وهم يشكلون ٤٠ - ٦٠ ٪ من السكان. يليهم الطاجيك بحوالي ٢٥ ٪ - الشيعة يمثلون ١٠٪ وهم موزعون على أعراق ثلاثة: الفارسوان والقزلباش والهزارة - ومن ثم الأوزبك يمثلون ٦.٦ ٪، الايماق وهم أقرب إلى العنصر التركي ٥.٣٪ .
وغير هؤلاء هناك البلوش والتركمان والقرغيز والبراهي والمغول والكوجار والسيخ ووالخ. وعودة إلى قصة حركة طالبان، فقد نشأت في أكتوبر ٩٤م في جنوبي وغربي أفغانستان، فيما ذاع اسمها عقب عملية يوم ٣ نوفمبر في منطقة سبين بولدك " بعد نجاحها في إحباط عملية نهب لقافلة تموين كان قائدها عنصراً في المخابرات الباكستانية .
" وجماعات طالبان ما قامت به لا يخرج عن نطاق الصورة التقليدية المستقرة في الأذهان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تعنى بالجزئيات والسلوكيات، ولا تنتبه إلى المنكرات العامة التي تعاني منها المجتمعات من ظلم وبطالة وتسول وسوق سوداء وإهدار حقوق الناس وأكل أموالها بالباطل ووووالخ".
" وتركيز طالبان على المظاهر جعل للشارع طابعا واحدا . فثمة لحية لكل مواطن، وتشادري لكل مواطنة ".
" الملأ محمد عمر مجاهد، اختارته حركة طالبان في قندهار أميراً لها في أغسطس عام ٩٤م بصفته أول من أطلق شرارة الحركة".
" وحين وصلت قواتها إلى كابول عام ٩٦م عقد اجتماعا للعلماء الأفغان استمر ثلاثة أيام واشترك فيه ١٥٠٠ شخصا وفيه تم اختيار محمد عمر أميرا للمؤمنين وقدموا له البيعة ".
" والملا محمد عمر هو في الثلاثينيات من عمره حين تم تنصيبه، وهو من مواليد مقاطعة أوروزجان، ولم يكمل تعليمه الديني، ولذلك فان قدراته العلمية متواضعة ".
" شارك في الجهاد ضد قوات الروس ضمن الجمعية الإسلامية التي قادها البروفيسور برهان الدين رباني وأصيب في إحدى المعارك حتى فقد إحدى عينيه. ومن الجمعية الإسلامية تحول الى حركة الانقلاب الإسلامي بقيادة مولوي محمد نبي".
" وبعد خروج السوفيت ودخول المجاهدين إلى كابول أراد أن يكمل دراسته في مدرسة صغيرة بمنطقة سنج سار في مديرية ميوند بمقاطعة قندهار".
"وهناك برزت لديه فكرة التصدي للفساد ومحاربة المنكرات التي وجدها في المنطقة.. فجمع طلاب المدارس الدينية والحلقات لهذا الغرض في صيف ٩٤م وبدأوا العمل بمساعدة بعض التجار والقادة الميدانيين".
" الثلاث المقاطعات قندهار و أوروزجان وزابول، هي الولايات التي انطلقت منها حركة طالبان ".
" مولوي رحيم الله زرمتي نائب وزير الثقافة والإعلام في حكومة طالبان. وهو أديب وشاعر، لكن مهنته الحقيقية أنه أستاذ للتفسير ومختص بتفسير البيضاوي ويدرس المادة في جامعة كابول".
" الوزير قال إن علماء الحركة يعدون صوت المرأة عورة والموسيقى حرام لأنها "مزمار الشيطان" والرسم عندهم جائز ما لم يكن فيه ذو روح "فهم يجيزون رسم الطبيعة وفنون الخط . اما المسرح والسينما، فهما ممنوعان لما فيهما من مفاسد واختلاط الرجال بالنساء ".
" شباب طالبان ليسوا في مقدمة المستمعين، لكنهم المستمعون الوحيدون، وأن الحركة في حقيقة الأمر مازالت تخاطب نفسها عبر راديو الشريعة".
" أغلب قادة حركة طالبان وقواعدها أو نواتها الأصلية جاءوا من ثلاث مقاطعات متجاورة تشكل مثلثا في جنوبي أفغانستان الملاصق للحدود الباكستانية ".
" قندهار وزابول وتشكلان قاعدة المثلث، ثم أوروزجان، وهي فوقهما مباشرة، وبمثابة الرأس منه . قندهار هي المقاطعة الكبرى وسكانها نحو مليون نسمة وهي معقل الحركة" .
" مؤسس دولة أفغانستان أحمد خان الأبدالي انطلق من قندهار واتخذها مقرا وعاصمة لمملكته قبل ٢٥٠ سنة. اما المقاطعتان الأخريان فهما في حقيقتهما الامتداد البشري والجغرافي لقندهار".
" والمثلث برمته يعد من المناطق المتخلفة والبسيطة على المستويين العمراني والثقافي" .
" المقاطعات الـ ٢٩ تزرع فيها الأفيون ولكنها تتركز في ٨ ولايات هي أقرب إلى الحدود الشرقية والجنوبية ".
" اما الولايات التي تعد مراكز رئيسة لزراعة الأفيون ولها شهرة واسعة فهي ثلاث : بدخشان على حدود طاجيكستان وننجرهار وهيلمند على الخدود مع باكستان ".
ومن يوم سقطت العاصمة الأفغانية بيد حركة طالبان ٢٧ سبتمبر ٩٦م وتلك البلاد تعيش مأساة حقيقية جراء ما جلبته لها حركة الطلاب من ويلات وحروب وأفكار واحتلال مازال ماثلا .
يبدو حالنا كذلك، فبرغم الاختلاف في المنطلقات والغايات إلا أن هناك سمة جامعة وهي أننا نخوض معركة خاسرة ما بقية أدواتنا وأساليبنا وطرقنا خاطئة وما بقيت الأفكار السلبية الراديكالية المغالية لها الحظوة والقبول والتأثير على ما سواها من الأفكار الإيجابية العقلانية المعتدلة .
محمد علي محسن