هذه هي تداعيات الحروب، أوبئة، ضحاياها نحن، ومشعلوها يستمتعون بمناظر هذه المعاناة التي تغذّي روحهم الخبيثة في مشاهد الموت وتراجيدية العنف والعنف المضاد، مات أعزاؤنا بحمى الضنك، لازالت أنين أوجاعهم ترن في آذاننا، ونحن اليوم نواجه وباء آخر وصورة أخرى من الموت (الكوليرا)، أصابتني جنبكم الله شرها، دون أي مقدمات، لم أتسكع في الشوارع وأتناول شيئاً يذكر مما يسبب هذا المرض، الكن الله أراد وكان، يطلقون عليها (أنفلونزا الأمعاء) من الأمراض المسيلة.
أسعفت لمستشفى البريهي، أسعفوني من حدة الجفاف بقرب التغذية، وطلب مني الذهاب للصداقة، هناك محجر معد لمثل هذه الحالة، تذكرت (الكرنتينة)، عرفناها في صغرنا في القلوعة موقع ثانوية محيرز اليوم، وإحدى جزر ميناء التواهي، المحجر الصحي (الكرنتينة) هو مكان يُعزل فيه أشخاص، أو أماكن، أو حيوانات، قد تحمل خطر العدوى. وتتوقف مدة الحجر الصحي على الوقت الضروري لتوفير الحماية، في مواجهة خطر انتشار أمراض بعينها. ويشير الحجر الصحي في سياق الرعاية الصحية إلى مختلف الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار العدوى التي قد تنتشر بالمستشفيات. حيث تتواجد صوراً مختلفةً للحجر الصحي والتي يتم تطبيقها اعتماداً على نمط العدوى والعوامل المتضمنة في انتشارها، وذلك بهدف مواجهة التشابه في عملية الانتشار عبر الجسيمات الهوائية أو القطرات، أو من عبر الاتصال عن طريق الجلد، أو من خلال الاتصال عن طريق سوائل الجسم.
كانت في حالة يرثى لها عند دخولي المحجر، جفاف شديد وآلم بالظهر عرفت مؤخراً أنه أعرض فشل كلوي، أول ما يقابلك طبيب شاب، يعد لك ملف وروشتة الوصفة العلاجية، متكئاً على ولدي دخلت قسم رقود الرجال، وخوفي على ولدي من العدوى، غرفة مكتظة بالرجال والنساء المرافقين أكثر من المرضى، بفوضى عارمة، الملف مجرد ورقة ترمى على الطاولة، ولا تستخدم بعد ذلك لغير الحصر فقط، يأتيك الممرض ليركب لك المغذيات، وبعد ساعات يمر الطبيب الشاب وإن شكوت له عن شي يكتب لك الدواء بجزء من ورقة دون أن يدونه بالملف، والدخول والخروج من القسم بتتابع وزحمة، لا راحة للمرضى ولا ضمان عدوى للأصحاء .
لا غبار على الأطباء والممرضين يقدمون خدماتهم الإنسانية، الجرعة الأولى ضرورة يهتمون بها، ثم تبدأ معاناتك، الحمامات غير صحية، في يومي الأول كان الماء قد نفذ منها فبدأت الروائح تنتشر، وشعرت أن وجودي يشكل خطراً على ما تبقى من صحة وعلى من يزورني، بعد ساعات جلبوا بوزة ماء وقام المنظفون بعملهم، تساءلت هل فعلاً هذا محجر الهدف منه احتواء الوباء أو العكس؟!.
محجر وبابه مفتوح لمن هب ودب من الأصحاء، وعرفت من المريض الذي بجانبي أنه أصيب بهذا المرض في نفس القسم بعد إسعاف زوجته، وأمامي رجل وزوجته ينامان على نفس السرير .
بخلاصة جهود يشكر القائمين والداعمين عليها، لكن هل تؤدي الهدف بمنع انتشار العدوى، أم صار سبباً من أسباب انتشارها بالفوضى القائمة وعدم الانضباط بمعايير السلامة والأمان للمحاجر المتعارف عليها، حتى الأطباء جميعهم شباب خريجين لم أصادف طبيباً متخصصاً وله تجربة، هل هي صدفة أم هؤلاء هم في مرحلة دراسة وبحث ويقومون بعملهم وفق منهج كلية الطب، توفيرا للميزانية .
نحن أمة لا نخطط جيداً لحياتنا، وإن خططنا لا ننفذ بعناية ما خططناه، وإن نفذنا، لا نراعي الجودة في التنفيذ ونحاسب ونرعى أمور الناس ومصيرهم في حياتهم وحقوقهم، فهل يعي المعنيون في الحكومة والسلطة المحلية خطورة هذا الإهمال، ليخططون وينفذون صح حتى لا تتفاقم المشكلة ويتكاثر الوباء .