حركة " الجمهورية إلى الأمام" في فرنسا، بفوزها الكاسح في انتخابات الرئاسة والبرلمان، تكون قد أنهت الثنائية القطبية السائدة بين "الجمهوريين والاشتراكيين "ومنذ نصف قرن".
فبعد فوز إيمانويل ماكرون- المرشح المغمور الذي تجاهلته كل التوقعات والاستطلاعات- هاهي حركته تحصد الغالبية المطلقة في انتخابات البرلمان الأحد ١٨ يونيو وبواقع ٣٥٠ مقعداً من أصل ٥٧٧ مقعداً.
نعم، ما حدث في فرنسا كان غريباً ومفاجئاً، لكنه يمثل ثورة هادئة ناعمة أعرب من خلالها الفرنسيون عن رغبتهم في التغيير وإن اختلفت طريقة تعبيرهم الديمقراطية السلمية عما هي سائدة عربياً.
هي إذاً ثورة؛ فالناخب الفرنسي - الناخب أو المقاطع - أعلن رفضه التام لوجوه سياسية شاخت وهرمت ولأحزاب عتيقة استنزفت كل ما لديها في معارك تقليدية للوصول إلى قصر الإليزيه والى البرلمان والى البلديات.
وللتذكير فالرئيس الشاب "ماكرون" أعلن أبان حملته الانتخابية اعتذاره للشعب الجزائري، مؤكداً بأهمية طي صفحة الماضي الاستعماري لبلاده، ما أثار عليه حملة شعواء من خصومه المنافسين ومن وسائل إعلام وسياسيين تقليديين رأوا في شجاعة وجرأة المرشح الشاب إهانة لما يعدونه تاريخاً مجيداً زاخراً بالتضحيات والبطولات.
الحزبان الرئيسان "الجمهوري والاشتراكي" منيا بهزيمة ساحقة وماحقة وغير معتادة لهما، فالجمهوري حصل على ١٢٨ مقعداً، بينما الاشتراكي بالكاد حصد ٢٩ مقعداً.
ما دفع بسكرتير أول الحزب الاشتراكي إلى الاستقالة والحديث عن يسار يتوجب تغيير أفكاره وبنيته تنظيمه.
وما جرى في فرنسا لا يمكن فصله عما يحدث في دول أوروبية ديمقراطية وفي الولايات المتحدة، فيكفي الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان وصوله إلى البيت البيضاوي واحدة من هذه الانتفاضات الشعبية الصادمة وغير المتوقعة.
والحال ذاته بالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وكذا ارتفاع نسبة الأصوات المؤيدة لأحزاب اليمين الراديكالية، كظاهرة برزت بقوة خلال السنوات القليلة المنصرمة.
ما يفتح دول أوروبية عدة على حقبة تاريخية ضائقة بالتسامح والتعدد باعتبارهما رمزا حضاريا وقيميا ويمثلان نتاج قرون من التعايش الإنساني.
السؤال الملح الآن: هل يفهم ويستوعب العرب بأنهم جزءا من منظومة عولمية يعاد بناؤها وتشكيلها وإن اختلفت الأدوات ما بين السلمية في الدول الديمقراطية والعنيفة في الدول الاستبدادية.
وإذا كان أكبر حزبين في فرنسا لم يستوعبا حقيقة أن المواطن الفرنسي البسيط ضاق ذرعاً بالقيادات الديناصورية وشعاراتها الأيديولوجية، مفسحاً المجال للشباب كيما يقومون بعملية التغيير؛ فإنني أرجو أن يكون منتهى الدم والخراب تغيير شامل يشفع للمواطن العربي تضحياته المكلفة للغاية.
محمد علي محسن