كان للحركة الموسوعية دور كبير وأثر بالغ في الحياة الثقافية والعلمية للشعوب ونهضتها، لاسيما في أوروبا، حيث ظهرت هذه الحركة في أشكالها المتعاقبة حتى بلغت الرقي، وأسهمت -على نحو ظاهر ومباشر وعميق- في نشر شتى صنوف المعرفة على أسس منهاجية سليمة.
وقد صارت بعض الموسوعات الصادرة حينها تنقش معالم وضاءة في وعي ووجدان المثقف والباحث والدارس -وحتى غير المتخصص- ولعلّ أشهرها الموسوعة البريطانية ثم الموسوعة الأمريكية عدا الموسوعات التخصصية كالموسوعة العلمية والموسوعة السياسية، أو الاقتصادية أو الفلسفية أو التقنية أو القانونية وغيرها.
وحين عرفت الساحة الثقافية والعلمية العربية بواكير هذه العملية، تأثرت بها على نحو ايجابي، وقفزت بها عدة حقب من الوعي المنهاجي. وبلغ المثقف أو الباحث -بواسطتها- تخوماً من المعرفة والإلمام بالمفاهيم والتيارات والاصطلاحات والأحداث والشخصيات المختلفة. وقد أصدر عدد من الشخصيات والمؤسسات الثقافية العربية عدداً من الموسوعات ذات الأهمية البالغة، مثل " الموسوعة السياسية " للدكتور عبدالوهاب الكيالي والأستاذ كامل زهيري، أو "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" للباحث المتميز عبدالوهاب المسيري.
وفي اليمن، ظللنا نفتقر إلى كل أساس في هذه الحركة الثقافية النوعية حتى العام 1992 حين أقدمت مؤسسة العفيف الثقافية -ومؤسسها الفاضل الراحل أحمد جابر عفيف- على تحرير وإصدار أول موسوعة يمنية. وبرغم أية مآخذ على هذا العمل الثقافي النوعي، أو أية نواقص وجدت وشوائب علقت، يظل شمعة وهّاجة ووحيدة في ذلك الركن المظلم من البيت الثقافي اليمني. غير أن حلم المثقف اليمني يتجاوز حدود هذا العمل الريادي، فهو يدرك أن ثمة مئات -انْ لم يكن آلاف- المواد في شتى العناوين والفروع والحقول غائبة عن الموسوعة اليمنية المتوافرة اليوم.
والحق أن مهمة كهذه لن تستطيع أية مؤسسة خاصة الاضطلاع بتمويلها وحدها مهما كانت مقدراتها. ولهذا يجدر بالدولة أن تضطلع بها، مُجنِّدة لانجازها فريقاً من خيرة الاختصاصيين في شتى صنوف العلوم والآداب والفنون وغيرها من الشؤون المتصلة باليمن ماضياً وحاضراً.
إنني أتمنّى أن أعيش اللحظة التي أحمل فيها بين يديَّ انسيكلوبيديا يمنية -بمعنى الكلمة- وليت غداً لناظره قريب.