عاتبني أحدهم قائلاً: أين كنت في الأمس وأين صرت اليوم؟ صاحبي اعتبر هذا التحول بمثابة ارتكاسة، ولا أعلم طبعاً ماهية الفرية في أن يغير الإنسان ويبدل من قناعاته.
قلت له: التغيير سنة إلهية وكونية، فما من كائنات حية أو حتى جامدة إلا وهي مرشحة للتغيير إيجاباً او سلبا، فالإنسان مثلا؛ ينمو ويكبر ويهرم بيولوجياً، وخلال تطوره هذا بلا شك يتغير ويتبدل حاله.
الأفكار أيضاً، تكبر وتتطور وتعيش، بل وتحلق في فضاءات عولمية، وبالمقابل هناك أفكار تفنى وتموت حتى قبل ولادتها.
نعم.. مازلت أحسب ذاتي نصيراً لحق الجنوبيين ولحق أهل صنعاء وتعز وصعدة والحديدة في الحياة الكريمة العادلة؛ فأين المشكلة في أن أكون جنوبياً ويمنياً وعربياً ومسلماً في الوقت ذاته؟.
المأساة هنا ليست في كوننا نتغير ونتبدل بيولوجيا وفكريا وسلوكيا وذهنيا ووجدانيا، وإنما المأساة الحقيقية في كوننا لا نتغير أو نتبدل فكراً وفلسفة وخطابا وحياة وخيالا وتطلعا.
فالتغيير وفي كل الفلسفات والمفاهيم دلالة إيجابية على حيوية الشخص المتغير.
السؤال المهم: كيف نتغير فكريا وفلسفة وسلوكاً؟ فإذا كان التغيير إلى الأفضل فهذا شيئا إيجابياً، أما وإذا كان التغيير إلى الأسوأ فذاك ما يتوجب تصويبه ومراجعته.
مثلا: كان لي أصدقاء يزايدون بتقدميتهم، إذ شغلونا وشغلوا أنفسهم ولحقبة تاريخية بالنضال الكذاب ضد الرجعية والإمبريالية، ورفضهم لكل أشكال التمييز والاستغلال والعبودية والقبلية والمناطقية.
وهذه غاية عظيمة تستوجب الفخر والشرف، لو أن أصحابها جسدوها سلوكا في حياتهم، ولو انهم ما تخلوا عنها، وتبرأوا منها، وكأنها شيئاً معيباً ومخزياً، ما يستوجب منهم التكفير عن الذنب والتطهر منه.
فمثلما اعتبروا أنفسهم جنودا محاربون في سبيل إحلال العدالة الإنسانية وفي أوطان أفريقية وأمريكية وآسيوية، يمكنهم الآن اعتبار ما حدث، مجرد حماقة أو قولوا مزايدة وشطحات ديماغوجية عبثية لا علاقة لها مطلقا بحقيقة جوهرهم القبلي المناطقي الجهوي المذهبي.
صديقي هذا، غفل انه كان اشتراكيا راديكاليا ومن ثم ومع أول نكسة للحزب يشد الرحال إلى مؤتمر الرئيس المخلوع، وكأنك يا بو زيد لا سرت ولا جيت.
وليته أعلن موقفا مشرفا ابان اندلاع ثورة الشباب، بل حرف البوصلة وبزاوية مئة وثمانين درجة، مولياً وجهه ملتحقا بزمرة الملتحقين بحزب الرابطة الذي كان لأبناء اليمن وعاد بفضل هؤلاء إلى عرجونه العتيق.
تنظيما عائليا وارستقراطيا وجهويا ناسفا لكل محاولات تحريره من ربقة الاحتكار الشخصي، وكذا المعتقدات الضارة به، والمقيدة له، كحزب أسس في خمسينات القرن المنصرم، ويحسب له تبني أول فكرة وطنية جامعة لجنوب محتل يعاني مجتمعه التمزق والشتات.
فشتان بين أن يمضي الإنسان بعيدا لبلوغ الفضاء، فيقع ويتعثر، وبين أن يقود جيشا من المرتزقة واللصوص والانتهازيين فيخسره ويخسر ذاته ودونما معركة أو غاية تستدعي الفخر والاعتزاز.
فسقوط الواحد بينما هو في محاولته لاعتلاء الكواكب والنجوم غير سقوطه وهو يجر أذيال الهزيمة والخزي.
في الحالة الأولى سيتعلم المرء من إخفاقه كيف سينهض ثانية وثالثة وكيف أن نجاحه رهن سقوطه؟.
إما وفي حالة الهزيمة التي يصاحبها الشعور بالعار والذل فبكل تأكيد منتهى صاحبها يكون قاسيا ومهينا!.
ختاما، قيل بان الديناصورات وحين عجزت عن التكيف مع بيئتها الآخذة بالتبدل والتحول، كان مصيرها أنها نفقت وانقرضت من الوجود.
فلو أنها الديناصورات تعلمت من الضفدعة الصغيرة كيفية العيش دون ماء أو غذاء، لربما تجنبت الفناء.
وأجزم أن كثيرا من البشر يستلزمهم التكيف الإيجابي مع الظروف السياسية وإلا باتوا كائنات منقرضة، وفيما هم يحسبون أنفسهم أحياء يرزقون.