احترم الرئيس هادي بكونه حاملًا لفكرة الدولة الاتحادية المدنية المنقلب عليها عسكرياً وسياسياً من قوى الهيمنة والنفوذ القبلية شمالاً، والرافضة لها بشدة قوى التحرير والاستقلال جنوباً .
وبالمقابل لا أثق في أداء إدارته البليدة الفاسدة التي أثبتت تجربة السنوات القليلة الفارطة بأنها أسوأ إدارة وعلى الإطلاق .
نعم، أجدني مؤيداً وداعماً للرجل الكهل، متجاوزاً بذلك زلاته وأخطائه وإخفاقه خلال توليه مناصب عسكرية وسياسية كان آخرها نائباً للرئيس ولمدة ٢٠ عاماً .
كيف لا أتسامح مع ماضي هادي وهو الذي أعده هادياً ورباناً لسفينة الدولة اليمنية المستقبلية المنشودة؟
وكيف لا أدعمه وأسانده وهو الحامل والممثل لما تبقى لدي من مشاعر وأفكار وطموحات وآمال كبيرة أحسبها ستحقق بوجوده وستتلاشى وتختفي في غيابه؟ .
فبرغم اختلافي مع إدارته حول كثير من المسائل والتفاصيل إلا أنني في نهاية المطاف أجدني مجبراً على قبول وعلى مضض أداء إدارته السقيم الكسيح .
فحين تكون الدولة مهددة بالزوال، على الإنسان في هذه الحالة مقايضة صبره وجلده وحتى أحياناً صمته، نظير ظفره ببقاء هذه الدولة الوهنة والضعيفة، طالما والبديل لها مجهولا وفوضويا ومفزعا .
فأن تشعل شمعة، خير من أن تلعن الظلام، حكمة صينية بلا شك تضطرني للسير في ركب سلطة شرعية مثقلة بالتعثر والإخفاق والتصرفات الخاطئة .
إذا ما ظل الرئيس هادي معتمداً على رجاله المقربين الفاسدين، فلن تحسم المعركة لا عسكرياً أو سياسياً ودبلوماسياً.
وإذا ما بقت أدواته على هذه الشاكلة الرديئة المحبطة، فإنني أتوقع حدوث ما لم يكن بحسبان أكثر المتشائمين .
فلا ينفع هنا الكلام، عن دولة اتحادية، بمضامينها الوطنية المدنية الحداثية، فمثل هذه الأفكار الكبيرة يستلزمها إرادة قوية وعزيمة لا تكل أو تفتر، وقبل هذه جميعا، قادة كبار بأفعالهم وسلوكهم وتفكيرهم وأساليبهم .
أتذكر هنا قولة للمهاتما غاندي، وخطها في سيرته الذاتية "في سبيل الحرية". ما ذكره انه واظب خلال دراسته للقانون في لندن على أكل ما هو نباتي .
فبرغم إيمانه القوي والعميق بان تحرير وطنه الهند من الاستعمار البريطاني لن يكون برجال ضعاف هزال لا يأكلون لحم البقر .
ومع يقينه بضرورة أكل الهندوسي للحم محرم في شريعة قومه، الا انه التزم حرفيا بما تعهد به لعائلته قبيل سفره إلى بلاد الضباب .
أجزم أن اليمنيين يحتاجون إلى هادي أكثر من أي رئيس سابق أو لاحق، وعلى الرجل أن يفي بوعده ويمضي بسفينة البلاد ناحية الآمال الكبيرة .
شخصيا، لا أحبذ المضي خلف أناس أتقنوا الفرار إلى المجهول، لكني على استعداد للتضحية كيما أعبر غالى الأمان .