قرابين مزهقة، وفظائع مقترفة، فيما الفاعل واحد هو الإرهاب الحاصد لآلاف الضحايا، وبشكل يكاد يوميا، ودونما توقف ومنذ سنوات خلت.
أعتقد، بل أجزم، أن الإرهاب وفصائله الدينية المذهبية المسلحة، هما الآن على وشك النهاية المحتمة، ما يعني أن هذه العمليات العبثية الهمجية الحاصلة هنا أو هناك، ليست إلا محاولات بائسة، أصحابها يعيشون حالة من التيه والاضطراب النفسي، ما اضطرهم إلى خوض معركة انتحار أخيرة هدفها تضليل الأتباع والبسطاء وأيضا الدول المحاربة، بكونهم مازالوا أقوياء ولديهم القوة الكافية لردع أي قوة داخلية أو خارجية.
الحقيقة أن هذه الفصائل تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي الآن في خضم معركة خاسرة بكل المقاييس العسكرية والفقهية والسياسية، وخسارتها للمعركة أظن أنها باتت قريبة، وعندما نقول بأن القاعدة وفقاساتها داعش وأخواتها على وشك الهزيمة الماحقة، فذاك استنادا للمأزق النظري والعملي الذي وصلت إليه تلك الجماعات الجهادية.
نعم، دولة الخلافة الإسلامية، كفكرة سياسية اقترنت بالتكفير والهجرة والجهاد العنيف، أثبتت تجربة السنوات المنصرمة، بفشلها الذريع، إن لم نقل باستحالة إقامة تلك الدولة الدينية ولو على مساحة ضئيلة لا تتعدى مدن الموصل أو الرقة أو المكلا أو زنجبار أو كابل أو قندهار أو سواها من الأمكنة، التي قدر الاستيلاء عليها، وتطبيق الشريعة الإسلامية، النابعة من فهمها وتأويلها لنصوص القران والسنة النبوية.
السؤال الوجيه المطروح الآن: ماذا بعد تحرير المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا؟ وبإيجاز أين ستكون وجهة عناصر القاعدة وبناتها التي أغلب المنضوين إليها هم في الأغلب من فئة الشباب؟.
حاليا، تعد مسألة عودة آلاف الشباب من سوريا والعراق تحديداً، قضية شائكة يتم بحثها ومناقشتها وعلى مختلف المستويات السياسية والقضائية والإعلامية والفكرية والمجتمعية.
جدل لا يتوقف محوره الأساس، هذه العودة لآلاف المقاتلين المنهزمين عسكريا، فما من شك أن عودة آلاف المقاتلين في القاعدة أو تنظيم الدولة "داعش" إلى فرنسا أو بريطانيا أو تونس أو اسبانيا أو أميركا، أمراً مخيفا ومفزعا، لهذه الدول أو غيرها من الدول التي يوجد لديها من يحمل جنسيتها ويحارب في صفوف التنظيمات الإرهابية.
فهؤلاء وعلى كثافة الجرائم المشاهدة وهول الانتهاكات للآدمية وطرق القتل البشعة التي يربأ الشيطان ذاته عن التفكير بها؛ مازالوا في نظر دولهم، مواطنين خطرين يصعب تجاهلهم أو إلغاء جنسيتهم مثلما تفعل دولنا العربية خاصة.
هذه الدول استنفرت كافة إمكانياتها المادية والبشرية ومن أجل غاية واحدة هي احتواء الشباب، وتجريدهم من أسلحتهم الخطرة، المتمثلة بالأفكار الخاطئة وكيفية إعادة تأهيلهم أو إدماجهم في مجتمعاتهم.
وعموما، أخشى من أن تكون وجهة الكثير من عناصر القاعدة أو داعش أو جفش أو النصرة أو أنصار الشريعة وووالخ من المسميات، هذه البلاد المنكوبة المفتوحة على مصراعيها، ولا تحتمل المزيد من الجماعات المسلحة، فيكفينا محاربة أنصار المعتوهين صالح وعبد الملك، فضلاً عن محاربة عناصر قاعدية أو داعشية لطالما حاولت وبدعم من أجهزة أمنية واستخبارية معروفة، زعزعة أمن واستقرار المحافظات المحررة ودون سواها.
وعليه أحذر الجميع من مغبة التساهل مع ما يحدث اليوم في العراق وسوريا، فكل المؤشرات تؤكد أن نهاية تلك التنظيمات قاربت، وكلما اشتد الخناق حولها، يزيد معه القلق من انتقال جماعي وفردي إلى هذه البلاد، خاصة مع وجود أطراف داخلية وخارجية يمكنها استغلال الفوضى الحاصلة الآن، فتقوم باستقطاب أولئك الأكثر تطرفا وإجراما غير القادرين العودة لبلدانهم الأصلية، فتكون اليمن مقصدهم، وقد سبق وان كانت هذه البلاد موئلا فيما مضى للعائدين من أفغانستان.