تداعى أنصار المؤتمر الشعبي العام للخروج إلى ميدان السبعين يوم 24 من أغسطس الحالي، في ذكرى تأسيسه.
يرى الكثيرون أن احتشاد المؤتمريين موجه في المقام الأول إلى الخصوم السياسيين، وأن الحشد يجيء لإظهار قوة المؤتمر داخلياً وخارجياً، خاصة وقد بات الشارع الشعبي اليمني قبلة الساسة للتلويح بقوتهم. أعتقد أن وجهة النظر القائلة بأن المؤتمر يريد أن يوجه رسائل لخصومه صحيحة، لكن المعني في المقام الأول-من وجهة نظري- بنزول المؤتمريين إلى السبعين، والمعني بالرسالة الأهم وراء النزول هم-هذه المرة-الحوثيون حلفاء المؤتمر لا خصومه.
المتابع للتصريحات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية يلحظ جلياً وجود إصرار مؤتمري على بعث رسالة للحوثيين مفادها: نحن هنا، نحن القوة الأكبر، كما يلحظ أن كثيراً من المؤتمريين بدؤوا بالتبرم من تحكم "المتكهنتين الجدد".
وفوق ذلك، فإن الغضب الحوثي من خروج المؤتمر للسبعين قد بلغ حداً لم تعد تجدي معه "التقية السياسية" لبعض قياداتهم. والإثنين الماضي دعا وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثي، حسن زيد، رئيس حزب الحق إلى ضرورة سحق رأس الثعبان، في إشارة واضحة إلى "الراقص على رؤوس الثعابين" علي عبدالله صالح. وكان زيد قد اعترف كذلك بأنه دعى صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الحوثي إلى قتل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، يوم أن حاصره الحوثيون في منزله مطلع العام 2015.
وبالمناسبة فإن تسمية حزب حسن زيد بـ"حزب الحق" تتكئ على تراث قروسطي له علاقة بتوجهات الحوثيين الحالية في "الحق الإلهي" الذي يظن زيد وجماعته أنه لهم بوصية زائفة مختلقة.
يسود أوساط المؤتمريين هذه الأيام شبه إجماع على أن المؤتمر الشعبي العام خسر كثيراً جراء تحالفه مع الحوثيين، والكل يريد مخرجاً من الورطة التي وضعتهم فيها طموحات سلطوية، ورغبات انتقامية لقيادة الحزب، تلك الورطة التي أودت بالحزب والعملية السياسية والبلاد برمتها إلى حال كارثية بامتياز.
وقبل أيام كتب القيادي المؤتمري الدكتور عادل الشجاع كلاماً موجهاً للحوثيين، مفاده أن المؤتمر هو من أعطاكم حجماً أكبر من "كهنوتكم"، ومن دون غطاء المؤتمر سيتداعى عليكم اليمنيون من كل حدب وصوب.
الحقيقة أنه ليس للحوثيين حاضنة شعبية في الجنوب، ولكن بعض قيادات المؤتمر يسَّرت وصول "جماعة الحق الإلهي" إلى ساحل عدن، وليس للحوثيين حاضنة شعبية في تعز والبيضاء وإب والحديدة، ولكن المؤتمر كان مظلتهم الشعبية والعسكرية والسياسية التي تحركوا ضمن سياقها. كل ذلك طمعاً من قيادة المؤتمر في أن تعمل بذكاء لتوظيف الحوثيين لديها، قبل أن يفيق المؤتمر على حقيقة أنه يكاد أن يكون جناحاً سياسياً لحركة كهنوتية هي الأعنف والأكثر تخلفاً في تاريخنا.
هذه حقائق لا يمكن إنكارها، يعرفها الحوثي وصالح أكثر من غيرهما، ولذا فإن رفع المؤتمر الغطاء عن الحوثيين سيجعلهم في حالة من العري الفاضح، وسيعيدهم إلى حجمهم الحقيقي، فيتواضعون قليلاً للذهاب مع المؤتمر وغيره للحل السياسي، بعيداً عن أوهام عبدالملك وكهنة "الحق الإلهي".
الحشد القادم في السبعين سيكون دون أدنى شك كبيراً إلى الدرجة التي يوصل بها رسائله داخلياً وخارجياً، واعتقد أن مؤتمر ما قبل 24 أغسطس 2017 سيكون مختلفاً عن مؤتمر 21 سبتمبر 2014، بعد أن أدرك المؤتمر أن الأهداف التي رسمت للتحالف مع الحوثيين ذهبت أدراج الرياح، وأدرك أخيراً أن تحالفه مع الحوثيين في 2014 كان أكثر وحشية وفظاعة من ناحية النتائج الكارثية من تحالف الإصلاح مع الحوثيين في 2011، بل ومن تحالف المؤتمر والإصلاح في 1990.
آن أوان المراجعة، آن للمؤتمر أن يسترد عافيته بالبعد عن كل التنظيمات المؤدلجة، ليبقى ولو على المستوى النظري منتمياً للميثاق الوطني الذي استوعب كل طموحاتنا واستوعب كل أشواقنا، الميثاق الذي صاغته نخبة وطنية من كافة الاتجاهات التي انتجت فكراً وطنياً يمنياً مستنداً إلى تراث ثقافي عميق، وبعد تاريخي فاعل، ومتكئاً على مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، قبل أن يتحول المؤتمر إلى مطية لبعض الفاسدين في النظام السابق .
في هذا السياق، ينبغي لخصوم المؤتمر اليوم أن يكفوا عن تكرار عبارات توحي بالشماتة بهذا الحزب الكبير، لأن "المكايدات" السياسية من كل الأطراف هي التي أوصلت الحوثي إلى ساحل عدن.
أذكر أنه بينما كان الحوثي يحاصر دماج، كنت أكتب، وأتكلم محذراً من خطر سيطرة الحوثيين على تلك البلدة في محافظة صعدة، وأطالب بوجوب دعم السلفيين في مواجهته، فكان بعض "ثوار 2011" يردد بشماته: "عليهم أن يسمعوا ويطيعوا ولي أمرهم الجديد عبدالملك الحوثي"، في إشارة إلى رفض السلفيين الانخراط في فعاليات ثورة 2011 تمسكاً بفتوى السلفيين بـ"تحريم الخروج على ولي الأمر". المكايدة والشماتة خلق الضعاف، ولذا يجب اليوم أن نرتقي إلى مستوى التحدي، والمؤتمر يحتاج إلى خصومه قبل أنصاره للوقوف معه للخروج به وبالبلاد من محنة هؤلاء القادمين إلينا من مقولات القرون الوسطى المظلمة.
قوة المؤتمر هي قوة للحياة السياسية، قوة لخصومه، وهي كذلك مفيدة للحوثيين الذين سيتحتم عليهم أن ينزلوا من الشجرة التي عَلِقوا فوقها بعد أن رموا بالسُلّم بعيداً.
وفي ذلك، فإن على الذين يرددون باستمرار أن المؤتمر هو "حزب عفاش" أن يعرفوا أن المؤتمر تيار شعبي، وحالة جماهيرية وإن ارتبط بالرئيس السابق، كمؤسس له.
الرئيس السابق شخص، وسيغادر الحياة-ككل حي-اليوم أو غداً، والمؤتمر حزب سيبقى بعد صالح تياراً معبراً عن طبيعة اليمني الوسطية غير المؤدلجة. قد يتحدث متحدث عن مخاوف التوريث داخل المؤتمر، وهذه حالة حزبية عربية مكررة في أكثر من بلد من بلداننا، ولكنني أعتقد أن تجربة "السبع العجاف" أعطتنا دروساً بالغة في وجوب أن نعيش حياة سياسية صحية، كما أعتقد أن هذه التجربة كفيلة بدفعنا نحو إنضاج خياراتنا الديمقراطية بعيداً عن أدبيات سياسية كانت سائدة قبل 2011.
أما من يربطون المؤتمر بالفساد والفاسدين، فعليهم أن يعرفوا أن الفساد لدى بعض قيادات المؤتمر لم يكن لأنه حزب فاسد بطبيعته، بل لأنه كان حزب السلطة، والسلطة في بلداننا العربية مفسدة عظيمة بطبيعتها. وحتى مع صدق دعاوى الفساد لدى بعض القيادات في المؤتمر، فإن قيادات أخرى في المؤتمر، وعامة الأعضاء يتوقون لدولة ليس فيها فساد، ثم إن قيادات أخرى في أحزاب أخرى قد فاحت روائح فسادها اليوم في الرياض والقاهرة وعمان ووصلت أموال نهبهم إلى تملك عقارات في لندن وإسطنبول ونيويورك، دون أن يعني ذلك تبرير فساد "فاسدي المؤتمر" بوجود فاسدين من خصومه. علينا أن ننظر لمسألة الفساد في إطارها المؤسسي العام المرتبط بالسلطة والدولة لمعالجتها بعيداً عن تنميطاته الحزبية.
أخيراً: علينا أن نغض الطرف في هذه المرحلة المفصلية المهمة من تاريخنا عن ماضي المكايدات القريب، ولندعم المؤتمر ليستعيد عافيته، وليتطهر من "درن الكهنوت" الذي لوثه به "التيار الحوثي" داخل المؤتمر الشعبي العام، الذي سعى لعقد التحالف المشؤوم بين المؤتمر كحزب وسطي سياسي، والحوثيين كجماعة دينية ثيوقراطية.
أخيراً: الكل انتقم والكل شفى غليله، والكل تقع عليه المسؤولية فيما وصلنا إليه، بنسب متفاوتة بالطبع، ومطلوب من الكل اليوم البحث عن المخرج، وأعتقد أن دعم المؤتمر لاستعادة عافيته –بغض النظر عن الخصومه مع مؤسسه-مهم للمؤتمر والحياة السياسية وللوطن، بشكل عام.